والمسلم يعمل في دنياه ليس طلبا لغاية فيها، وإنما وسيلة لتحقيق الغاية العظمى التي من أجلها خلقه الله، وسخر له كل شيء وهي عبادة الله، التي لا تقوم إلا بالعمل الدنيوي على اختلاف أنواعه.
وبهذه النظرة يضبط المسلم عمله بميزان القرب والبعد من هذه الآية، فليس عند المسلمين تفريق بين الأعمال إلا بهذا الميزان.
فقد يترك المسلم عملا يدر عليه كنوز الأموال، ليقوم بعمل آخر لا يدر عليه شيئا، بل يطلب منه إنفاق الأموال وراء الأموال، دون أن يعود عليه بأي مردود، إلا ما يقربه من غاية الوجود. هذا هو منهج المسلمين في العمل، أو هو الأصل في منهجهم، وهو الميزان الحق في كل عمل. وإذا كان العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية فما الفرق وما الأثر؟.
إذا كان العمل عند المسلمين وسيلة لا غاية فإن الإنسان يأمن غوائل البغي والاستغلال والظلم في جانب العمل والعاملين في شتى الميادين. كما يأمن اختلال التوازن في إنتاج الحاجيات الناتج عن اندفاع طلاب المال وراء إنتاج الكم الهائل من الملهيات، والمغريات من الكماليات، وسائر الشهوات، لابتزاز أموال الناس على حساب الحاجيات، بل وعلى حساب الضروريات، وكما يأمن الإنسان الغش والخداع في كل المنتجات، وباختصار ينعم الجميع بعدل رب العالمين.