للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إجارة الإقطاع تعطلت منافع ذلك بالكلية، وكون الإقطاع معرضا لرجوع الإمام فيه. مثل كون الموهوب للولد معرضا لرجوع الوالد فيه وكون الصداق قبل الدخول معرضا نصفه أو كله إلى الزوج، وذلك لا يمنع صحة الإجارة بالاتفاق. فليس مع المبطل نص ولا قياس، ولا مصلحة، ولا نظر.

وإذا أبطلوا المزارعة والإجارة ولم يبق بيد الجند إلا أن يستأجروا من أموالهم من يزرع الأرض ويقوم عليها. وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس. لأنه قد يخسر ماله ولا يحصل له شيء بخلاف المشاركة فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم. فهي أقرب إلى العدل.

وهذه المسألة ذكرت استطرادا. وإلا فالمقصود: أن الناس إذا احتاجوا إلى أرباب الصناعات- كالفلاحين وغيرهم - أجبروا على ذلك بأجرة المثل. وهذا من التسعير الواجب. فهذا تسعير في الأعمال.

وأما التسعير في الأموال: فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد وآلات. فعلى أربابه أن يبيعوه بعوض المثل، ولا يمكنوا من حبسه إلا بما يريدونه من الثمن. والله تعالى قد أوجب الجهاد بالنفس والمال فكيف لا يجب على أرباب السلاح بذله بقيمته؟ ومن أوجب على العاجز ببدنه أن يخرج ماله ما يحج به الغير عنه ولم يوجب على المستطيع بماله أن يخرج ما يجاهد به الغير: فقوله ظاهر التناقض. وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. وهو الصواب.

فصل: وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة. لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء ولا من يبيع طحينا وخبزا. بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم. وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجلابين. ولهذا جاء في الحديث: «الجالب مرزوق. والمحتكر ملعون (١)».

وكذلك لم يكن في المدينة حائك. بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما. فيشترونها ويلبسونها.


(١) سنن ابن ماجه التجارات (٢١٥٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٤).