للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

ج: قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره على قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (١) حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين: أحدهما: أنهم المسلمون منهم، والثاني: أهل الشرك منهم، فالله أعلم، والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٢)» يحذر ما فعلوا، اهـ.

والصواب أنهم مذمومون بذلك؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٣)»، ولما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها في الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (٤)»، وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (٥)»، والأحاديث في ذلك كثيرة.

ومما تقدم يتضح للسائل أن ما ذكره ابن الخطيب في تفسيره "أوضح المسالك" من تجويز اتخاذ المساجد على القبور


(١) سورة الكهف الآية ٢١
(٢) صحيح البخاري الجنائز (١٣٩٠)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١)، سنن النسائي المساجد (٧٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٢١)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٠٣).
(٣) صحيح البخاري الأدب (٦١٣٠)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٤٤٠)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٣١)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٣٤).
(٤) صحيح البخاري الأدب (٦١٣٠)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٤٤٠)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٣١)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٣٤).
(٥) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢).