للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن حزم في معرض مناقشته الأحاديث والآثار التي استدل بها أهل هذا القول ما نصه: ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لأنه ليس فيه إلا الجار أحق بصقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر، وقد حدثنا همام، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرء أحق وأولى بصقبه (١)» قلت لعمرو: ما صقبه؟ قال الشفعة، قلت: زعم الناس أنها الجوار قال: الناس يقولون ذلك، فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روى يقتضي ذلك، فبطل كل ما موهوا به. ثم لو صحت هذه الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه - عليه الصلاة والسلام - وقوله وقضاؤه «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (٢)» يقضي على ذلك كله ويرفع فكيف ولا بيان في شيء منها. اهـ (٣).

٤ - وأما حديث سمرة ففي سماع الحسن من سمرة مقال معروف لدى علماء الحديث. قال يحيى بن معين لم يسمع الحسن من سمرة وإنما هي صحيفة وقعت إليه، وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، وقد أجاب عن ذلك ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: قد صح سماع الحسن من سمرة وغاية هذا أنه كتاب ولم تزل الأمة تعمل بالكتب قديما وحديثا، وأجمع الصحابة على العمل بالكتب وكذلك الخلفاء بعدهم وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيها تعطلت الشريعة وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي فيعمل بها من تصل إليه ولا يقول هذا كتاب، وكذلك خلفاؤه من بعده والناس على اليوم. فرد السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل الباطل والحفظ يخون والكتاب لا يخون. اهـ (٤).

ويمكن أن يجاب عن قول ابن القيم - رحمه الله - بأن الغالب على طالب العلم أن يسجل كل ما عن له من صحيح وضعيف وما له وجه وما لا وجه له، على أمل أن يتم له النظر لأبعاد ما لا وجه له ولا صحة، ويحتمل أن يعجله الأجل قبل ذلك بخلاف ما يؤلفه طالب العلم وينشره بين الناس فإنه بنشره يعتبر في حكم المقتنع بوجاهته وصحة ما فيه مما يراه، وكذا ما يكتبه الوالي إلى عماله أو غيرهم فإنه يكتب ما يكتب عن اقتناع بوجاهة ما كتبه.

٥ - وأما الاحتجاج على مشروعية الشفعة للجار بالمعنى فقد أجاب على ذلك ابن القيم - رحمه الله - وسبق نقل ذلك عنه (٥)


(١) سنن النسائي البيوع (٤٧٠٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٨٩).
(٢) صحيح البخاري البيوع (٢٢١٣)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٧٠)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦).
(٣) المحلى جـ ٩ ص ١٢٧.
(٤) أعلام الموقعين جـ ٢ ص ١١٧.
(٥) انظر أعلام الموقعين جـ ٢ ص ١٢٢ - ١٢٤.