وعلاوة على ردهم على المرجحين، فقد ردوا ما هو أعظم بلاء؛ ألا وهو الطعن في القراءات. وعلى هذا فلا يتصور ذكر المدافعين إلا بعد أهل الترجيح والطعن؛ لذا بدأنا بما يترتب عليه وجود الآخر، فلولا الطاعن ما عرف المدافع.
وعلى العموم، فهناك تداخل بين الطاعنين والمرجحين والمدافعين، فليس الطاعن بالقراءة يطعن في كل قراءة، بل قد يكون مرجحا أو مساويا، كما أن المرجح ليس بمرجح دوما، بل قد يكون مدافعا، فليس بمرجح فضلا أن يطعن بالقراءة.
وما من شك أن الدفاع عن القراءات هو الموقف الأمثل، بل الصحيح الذي لا يصح سواه؛ فالقراءات كلها سواء، وكلها صحيح، أو كما يقولون قراءتان حسنتان، أما الترجيح فيعود ترجيح كل واحد إلى ما يتراءى له من وجوه المعاني؛ لذا نجد مفسرا يرجح قراءة، والآخر يرجح سواها.
وما ذلك إلا لأن كل واحد منهما قد ظهر له من المعاني ما لم يظهر للآخر.
فالناظر إلى القراءات القرآنية تتراءى له معان كثيرة ومختلفة، كما تتراءى للناظر إلى قطعة من الماس ألوان مختلفة ومتعددة بتعدد ما فيها من زوايا وأضلاع، ومختلفة باختلاف ما يكون عليه الناظر، وما عليه قطعة الماس من الأوضاع، هكذا بدت هذه النظرة في القراءات حين نرى مفسرا يرجح وجها واصفا إياه بأنه الأفضل، ويرجح آخر عكس ما رجح، ولكن الحقيقة واحدة، والقراءتان فيهما من الحسن ما فيهما.