للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الحسن البصري وعطاء الخراساني والسدي أن المقصود بالفاحشة الزنا. وذكر آثارا أخرى بأسانيدها إلى ابن عباس ومقسم، والضحاك بن مزاحم، وقتادة وعطاء بن أبي رباح، أن المقصود بالفاحشة النشوز ثم قال: وأولى ما قيل في تأويل قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (١) أنه معني به كل فاحشة من بذاء باللسان على زوجها، وأذى له، وزنا بفرجها. وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٢) كل فاحشة متبينة ظاهرة، فكل زوج امرأة أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنا أو نشوز فله عضلها على ما بين الله في كتابه، والتضييق عليها حتى تفتدي منه بأي معاني الفواحش أتت، بعد أن تكون ظاهرة مبينة بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى وصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالذي:

حدثني يونس بن سليمان البصري قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: «" اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، إن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (٣)».

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: حدثني صدقة بن يسار، عن ابن عمر: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: قال" أيها الناس، إن النساء عندكم عوان، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق. ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا، ولا يعصينكم في المعروف، وإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (٤)».

فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن من حق الزوج على المرأة أن لا توطئ فراشه أحدا وأن لا تعصيه في معروف، وأن الذي يجب لها من الرزق والكسوة عليه، إنما هو واجب عليه إذا أدت هي إليه ما يجب عليها من الحق، بتركها إيطاء فراشه غيره، وتركها معصيته في معروف.

ومعلوم أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «" من حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا (٥)» إنما هو أن لا يمكن من أنفسهن أحدا سواكم.

وإذا ما روينا في ذلك صحيحا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبين أن لزوج المرأة إذا وطأت امرأته نفسها غيره وأمكنت من جماعها سواه، أن له من منعها الكسوة والرزق بالمعروف مثل الذي له من منعها ذلك إذا هي عصته في المعروف. وإذا كان ذلك له، فمعلوم أنه غير مانع لها - بمنعه إياها ماله منعها - حقا لها واجبا عليه. وإذا كان ذلك كذلك، فبين أنها إذا افتدت نفسها عند ذلك من زوجها، فأخذ منها


(١) سورة النساء الآية ١٩
(٢) سورة النساء الآية ١٩
(٣) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٩٠٥)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٤)، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠).
(٤) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٧٣).
(٥) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٩٠٥)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٢١)، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠).