للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في حالها تقوم، فآثاره في الطور، وعليها الفلك يدور، له خادمان، لا يخلو منهما إنسان جامد، واجب الاشتقاق، صعب مر المذاق، خبير، بطي الدفاتر على رأسه تدور الدوائر، يحل الرموز، ويستخرج ما في الكنوز، وهو ممن يحرفون الكلم عن مواضعه، ويشار إليه بالبنان في تواضعه، إذا نقص اكتمل، وإذا جير عليه اعتدل، وإذا تكلم جمع بين الأروى والنعام، أو سكت احترم المشعر الحرام، ماهر بالتحرير، جدلي بالتقرير، لم يزل الحديد قائمًا على رأسه، حتى يقده إلى أضراسه، فينشط من عقده، وقد أثر الحديد في جسده، يطرف في المنادمة، ويبيح بالمنى دمه رشحاتها، تتلقاها الصدور، وتقيدها في رق منشور، يتصفح من الأوراق بطونها، ويملي عن قلبه شروحها ومتونها ومعربها وملحونها، فإذا اخترع أبدع، وإن هز عامله، رصع، ووشع، وإذا أخذ في التحديث فمن البحر اغترافه، وحازت قصب السبق أوصافه، فهو طبيب مغرم بالتركيب، إلا أنه تارة يخطي، وطورًا يصيب، فإذا رفعته الأيدي حملته ما لا يطيق، وإن وضعته زجته في مسالك الضيق كله سواء في الخلقة مفرد الرقة، تتفجر من قلبه ينابيع الحكمة، فيعرف من أراده حده ورسمه، إن شاء أسهب، وأطنب، وإن شاء اقتصر، واختصر، يمشي على استحياء ميت بين الأحياء، فإذا أنشأ أحكم الإنشاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فعلم الحرف يؤخذ منه، والتصرف فيه يروى عنه، وعلم الكاف ألقى إليه بالمقاليد، وصيره من جملة العبيد، فإذا بالسواد تعمم، وأخذ يتكلم نسج حبرًا، وجرى في كل فن بما جرى، ورد المشيب شبابًا، وخلد المحاسن أحقابًا، وجاد بكف سائل، لا تنقطع منه الرسائل:

فلو لم يكن في كفه غير نفسه … لجاد بها فليتق الله سائله

وله في كل مقام مقال، وفي كل مقال مقام، لم يدع فكرة إلا نقدها، أو انتقدها، أو اعتقدها، وربما طلب منه المراد فعثر، ويقل ذلك منه، بل يكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>