صَارَ كَأَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ.
وَلَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ، فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَالْقَارِنِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ التَّمَتُّعِ بِالْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ، فَأَمَّا إذَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ كَالْبَصْرَةِ مَثَلًا أَوْ نَحْوِهَا، وَاِتَّخَذَ هُنَاكَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ، تَوَطَّنَ بِهَا أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؟ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا وَمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْهَا سَوَاءٌ.
وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلُحُوقُهُ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَلُحُوقُهُ بِأَهْلِهِ سَوَاءٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِوُجُودِ إنْشَاءِ سَفَرٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ لَا يُبْطِلُ السَّفَرَ الْأَوَّلَ، مَا لَمْ يَعُدْ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ فِي سَفَرِهِ يُعَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ سَفَرًا وَاحِدًا مَا لَمْ يَعُدْ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يَعُدْ هَهُنَا فَكَانَ السَّفَرُ الْأَوَّلُ قَائِمًا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَّةَ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَيَلْزَمُهُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ وَحَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا: لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا إلَّا بِحُصُولِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ، وَلَمَّا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ فَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْعُمْرَةُ وَالْحَجَّةُ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَلَوْ قَضَى عُمْرَتَهُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَإِنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَحَلَّ مِنْهَا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِأَهْلِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَحَلَّ مِنْهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَيَكُونُ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِإِسَاءَتِهِ دَمٌ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَحَلَّ مِنْهَا، وَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ، وَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ، وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ كَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَّةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَأَنَّهُ لَحِقَ بِأَهْلِهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ صَارَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَبَطَلَ حُكْمُ ذَلِكَ السَّفَرِ، ثُمَّ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ سَفَرٍ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ نُسُكَانِ فِي هَذَا السَّفَرِ، وَهُوَ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ مُسَافِرًا فَهُوَ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا، فَلَا عِبْرَةَ بِقُدُومِهِ الْبَصْرَةَ، وَاِتِّخَاذِهِ دَارًا بِهَا، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْهَا حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ إلْحَاقِهِ بِأَهْلِ مَكَّةَ، فَصَارَتْ عُمْرَتُهُ وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّتَيْنِ لِصَيْرُورَةِ مِيقَاتِهِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِمَكَّةَ كَمَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَصَارَ كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى أَقْرَبِ الْآفَاقِ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ فَقَدْ قَطَعَ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِابْتِدَاءِ سَفَرٍ آخَرَ فَانْقَطَعَ حُكْمُ كَوْنِهِ بِمَكَّةَ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَتَى مَكَّةَ وَقَضَى الْعُمْرَةَ، وَحَجَّ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ النُّسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا، هَذَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ.
فَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ، وَحُكْمُهُ كَمَكِّيٍّ تَمَتَّعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute