سُقُوطِ الْخِيَارِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْعَامِلَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ ذَاتَ الْبَيْعِ وَذَاتَ الْقَرَابَةِ فَتَسْتَنِدُ السَّبَبِيَّةُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ ذَاتِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ فَلَمْ يَصِحَّ، أَوْ يُقَالُ إنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ إنَّمَا يُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ، وَسَبَبُ التُّهْمَةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبَ الْقَرَابَةِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الزَّوْجِيَّةُ، وَلَمْ تَكُنْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَعْدَ وُجُودِهَا لَا تَحْتَمِلُ الِاسْتِنَادَ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى حَالِ وُجُودِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إقْرَارًا لِوَارِثِهِ فَيَصِحَّ، وَيَثْبُتَ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِحُدُوثِ الزَّوْجِيَّةِ، وَعَلَى التَّقْرِيبِ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ التُّهْمَةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ ابْنُهُ مُسْلِمًا، لَكِنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَأَوْصَى لَهُ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَوَانَ اعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ أَوَانَ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَارِثُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مَرِيضٌ، أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً، فَقَبَضَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ الْإِقْرَارُ وَالْهِبَةُ لِمَوْلَاهُ وَإِنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوصِي، فَجَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ يَقَعَانِ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ دُيُونَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ لِوَارِثِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، فَلَا يَصِحُّ، أَوْ لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ سَبَبِ شُبْهَةِ التُّهْمَةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِقْرَارِ لِابْنِهِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ.
وَلَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَأَجَازَ الْبَاقُونَ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ كَانَ لَحَقِّهِمْ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الْأَذَى وَالْوَحْشَةِ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا جَمِيعًا.
وَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَبَيْنَ الْوَارِثِ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ رَدُّوا، جَازَتْ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَبَطَلَتْ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُصْرَفُ الثُّلُثُ كُلُّهُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَصِيَّةِ فَالْتَحَقَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِالْعَدَمِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ إنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَيْسَتْ وَصِيَّةٌ بَاطِلَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ بِهَا الْإِجَازَةُ جَازَتْ، وَالْبَاطِلُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِالْإِجَازَةِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَارِثَ مَحَلٌّ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُضَافَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ يَكُونُ بَاطِلًا دَلَّ أَنَّهُ مَحَلٌّ، وَأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً إلَّا أَنَّهَا تَبْطُلُ فِي حِصَّتِهِ بِرَدِّ الْبَاقِينَ، وَإِذَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً، فَقَدْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ، ثُمَّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ بِالرَّدِّ، فَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى حَالِهَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيَّيْنِ؛ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ، كَمَا إذْ أَقَرَّ لَهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْوَارِثُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ تَصَادَقَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُمَا الْإِقْرَارُ أَصْلًا لَا لِلْوَارِثِ، وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ، فَبُطْلَانُهُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ، وَالْإِقْرَارُ لَهُمَا بِالدَّيْنِ إخْبَارٌ عَنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ صَحَّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ لَكَانَ فِيهِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ إخْبَارًا عَنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَالْوَارِثُ يُشَارِكُ الْأَجْنَبِيَّ فِيمَا يَقْبِضُ، ثُمَّ تَبْطُلُ حِصَّتُهُ وَفِيهِ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ لَا يُشَارِكُ الْأَجْنَبِيَّ.
وَإِذَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ أَصْلًا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْن وَرَثَةِ الْمُقِرِّ فَمَا أَصَابَ الْوَارِثَ الْمُقِرَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ إلَى تَمَامِ الْإِقْرَارِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا، فَمِنْ زَعَمِهِمَا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ هَذَا إذَا تَصَادَقَا، فَإِنْ تَكَاذَبَا، أَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ، أَوْ رَدَّ الْوَرَثَةُ إقْرَارَهُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا بَطَلَ كَانَ الْمَالُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَةِ الْمُقِرِّ، فَمَا أَصَابَ الْوَارِثَ، فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَلَا شَرِكَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَيَكُونُ لَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يُكَذِّبُ الْوَارِثَ، وَالْوَارِث يُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ فَالْخَمْسمِائَةِ مِمَّا أَصَابَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ الْوَارِثُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُمِائَةٍ دِينٌ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ إلَّا أَنَّهُ ادَّعَى الشَّرِكَةَ فِيهِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ فِي الشَّرِكَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْأَجْنَبِيِّ، وَيَأْخُذُ تِلْكَ الْخَمْسمِائَةِ كُلَّهَا، وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدٍ وَارِثُهُ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ.
(أَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقَعُ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لَهُ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ فَالْوَصِيَّةُ تَقَعُ لِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ يَصِيرُ الْمُوصَى بِهِ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute