وَالْمَضْمُونُ بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّمَانِ وَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ، وَالدَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ الرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ جُعْلِ الْآبِقِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ مُدَاوَاةُ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ وَالْأَمْرَاضِ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُدَاوَاةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ حَقِّهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ فَأَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَأَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهُوَ مَقْطُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْهَلَاكِ، وَالْإِذْنُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى وَجْهٍ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَنْفَقَ طَرِيقُ صِيَانَةِ الْمَالَيْنِ، وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ بِالْإِنْفَاقِ.
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ كَانَ غَائِبًا فَأَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الْقَاضِي، يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَلِي عَلَيْهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ وَسَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ زَوَائِدُ الرَّهْنِ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ عِنْدَنَا.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي زَوَائِدِ الرَّهْنِ أَنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: زِيَادَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ، وَلَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ، كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَزِيَادَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْأَصْلِ، كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْأُولَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ بِنَفْسِهَا، وَلَا هِيَ بَدَلُ الْمَرْهُونَةِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الرَّهْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي الزِّيَادَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا ﵏: إنَّهَا مَرْهُونَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلرَّهْنِ عِنْدَهُ هُوَ كَوْنُ الْمُرْتَهِنِ أَخَصَّ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَأَحَقَّ بِثَمَنِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، فَقَبْلَ الْبَيْعِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ؛ فَأَشْبَهَ وَلَدَ الْجَارِيَةِ إذَا جَنَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ، أَنَّ حُكْمَ الْجِنَايَةِ لَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِهَا؛ لِمَا أَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْأُمِّ هُوَ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنًى ثَابِتٍ فِي الْأُمِّ فَلَمْ يَسْرِ إلَى الْوَلَدِ كَذَا هَذَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَرْهُونَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ.
وَلَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً؛ لَكَانَتْ مَضْمُونَةً كَالْأَصْلِ، وَعِنْدَنَا حَقُّ الْحَبْسِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِلرَّهْنِ أَيْضًا وَهَذَا الْحَقُّ ثَابِتٌ فِي الْأُمِّ فَيَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ تَبَعًا لِلْأُمِّ، إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ فَكَانَتْ مَرْهُونَةً تَبَعًا لَا أَصْلًا، كَوَلَدِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ مَبِيعٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا ﵃ لَكِنْ تَبَعًا لَا أَصْلًا، فَلَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ، فَكَذَا الْمَرْهُونُ تَبَعًا لَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ؛ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَرْهُونَةً عِنْدَنَا، كَانَتْ مَحْبُوسَةً مَعَ الْأَصْلِ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْتَكَّ أَحَدَهُمَا إلَّا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ، وَالْمَرْهُونُ مَحْبُوسٌ كُلُّهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصْلِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا، لَكِنْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّهْنِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُمَا جَمِيعًا بِالدَّيْنِ، وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ، وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْأَصْلِيِّ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ؛ يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّهْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّيَادَتَيْنِ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فَنَوْعَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ بِدَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهَذَا الدَّيْنِ لَا بِدَيْنٍ آخَرَ، فَلَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ لَا رَهْنَ بِهِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْمَرْهُونَ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، حَتَّى لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ بَعْضَ الدَّيْنِ، كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا بَقِيَ، قَلَّ الْبَاقِي أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي حَقِّ مِلْكِ الْحَبْسِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَقِيَ مَحْبُوسًا بِهِ، كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا كَانَ مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَقِيَ مَحْبُوسًا بِهِ كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ صَفْقَةَ الرَّهْنِ وَاحِدَةٌ فَاسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْ الْمَرْهُونِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute