خَلْفَهُ " أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ " اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ ﷺ وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمُقْتَدِي فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ إذَا كَانَ مُدْرِكًا أَيْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَفْعٌ أَخِيرٌ فِي حَقِّهِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا سَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ إلَى الْعَكْسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالْمُنْفَرِدِ فِي حَقِّ السَّهْوِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي الشَّفْعِ الْأَخِيرِ، ثُمَّ الْمُقِيمُونَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا، وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ مِنْهُمْ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَدُوا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِانْفِرَادُ، وَلَوْ قَامَ الْمُقِيمُ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ هَذَا الْمُقِيمُ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ رَفَضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ إمَامَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرْفُضْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَارَتْ أَرْبَعًا تَبَعًا لِإِمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ النَّفْلِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ حَتَّى لَوْ رَفَضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَعَلَى هَذَا إذَا اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِي خَارِجِ الْوَقْتِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَصَارَ تَبَعًا لَهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الرَّكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَهَذَا قَدْ صَارَ مُقِيمًا، وَصَلَاةُ الْمُقِيمِ لَا تَصِيرُ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا إذَا صَارَ مُقِيمًا بِصَرِيحِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَلَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ انْتَبَهَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ يُصَلِّي مَا نَامَ عَنْهُ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ، وَالتَّبَعِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مُقْتَدِيًا بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَمَّ قَوْمًا مُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فِي الْوَقْتِ فَأَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا مِنْ الْمُقِيمِينَ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَلَا تَنْقَلِبُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ أَرْبَعًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُمْ صَارُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُقِيمِ حَتَّى تُعَلَّقَ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ صِحَّةً وَفَسَادًا، وَالْمُسَافِرُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّ فَرْضَهُمْ لَوْ لَمْ يَنْقَلِبْ أَرْبَعًا لَمَا جَازَ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِي حَقِّ الْإِمَامِ نَفْلٌ وَفِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ فَرْضٌ فَيَصِيرُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ خَارِجَ الْوَقْتِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمُقِيمَ إنَّمَا صَارَ إمَامًا بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِمَامَ عَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي مِقْدَارِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، إذْ الْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى فَلِذَلِكَ لَا تَنْقَلِبُ صَلَاتُهُمْ أَرْبَعًا وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى عَلَيْهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسَافِرِ مُؤَدٍّ صَلَاتَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قُدِّمَ مُسَافِرٌ فَنَوَى الْمُقَدَّمُ الْإِقَامَةَ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُ الْمُسَافِرِينَ لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ وَيَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُسَلِّمَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ بَقِيَ عَلَيْهِ شَطْرُ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ بِالسَّلَامِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ رَجُلًا مِنْ الْمُسَافِرِينَ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَبَقِيَّةُ الْمُقِيمِينَ وَيُصَلُّونَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ وُحْدَانًا؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ اللَّاحِقِينَ.
وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ مِنْهُمْ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا صَلَّى بِمُسَافِرِينَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ يُصَلِّي بِهِمْ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هَهُنَا أَصْلٌ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ صَلَاتُهُ بِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ " وَهُوَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ " فَتَتَغَيَّرُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ مُؤَدٍّ صَلَاتَهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَمَّ قَوْمًا مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ أَوْ قَامَ فَذَهَبَ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَرْبَعًا لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي مَحِلِّهِ، وَصَلَاةُ مَنْ تَكَلَّمَ تَامَّةٌ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي وَقْتٍ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهِ إمَامُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَكَذَا صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ مَا نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا تَبَعًا لِلْإِمَامِ فَحَصَلَ كَلَامُهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ فَسَادُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute