للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(أَهْلِي) : أَيْ أَهْلَ بَيْتِي بِالْخُصُوصِ مِنْ بَيْنِ الْعُمُومِ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِهَؤُلَاءِ وَخَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ: (أَكْرَهُ) : أَوْ أَهْلِي هُوَ الْخَبَرُ وَأَكْرَهُ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ أَيْ لِأَنِّي أَكْرَهُ لَهُمْ كَمَا لِنَفْسِي (أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ) : أَيْ يَتَلَذَّذُوا بِطَيِّبِ طَعَامٍ وَلُبْسِ نَفِيسٍ وَنَحْوِهَا (فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا) ، بَلِ اخْتَارَ لَهُمُ الْفَقْرَ وَالرِّيَاضَةَ فِي حَيَاتِهِمْ لِيَكُونَ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَعْلَى، وَمُقَدِّمَاتُهُمْ فِي مَرَاتِبِ لَذَّاتِهِمْ أَعْلَى، وَلِئَلَّا يَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ بِمَنْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠] ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شَبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: " إِنَّ هَؤُلَاءِ " اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْمُوجِبِ لِلْمَنْعِ، وَأَهْلِي خَبَرٌ لِـ (أَنَّ) فَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّعْظِيمِ، فَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ هَذَا الْمُحَقَّرُ لِهَؤُلَاءِ الْعِظَامِ، وَقَوْلُهُ: (أَكْرَهُ) اسْتِئْنَافٌ آخَرُ (يَا ثَوْبَانُ! اشْتَرِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَجُوِّزَ سُكُونُهَا (لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً) : بِكَسْرِ الْقَافِ مَا يُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ (مِنْ عَصْبٍ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُفْتَحُ، سِنُّ حَيَوَانٍ فِي النِّهَايَةِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ: إِنْ تَكُنِ الثِّيَابَ الْيَمَانِيَةَ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَمَا أَرَى أَنَّ الْقِلَادَةَ تَكُونُ مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا هِيَ الْعَصَبُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَهُوَ إِطْنَابُ مَفَاصِلِ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ شَيْءٌ مُدَوَّرٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَصَبَ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ فَيَقْطَعُونَهُ: وَيَجْعَلُونَهُ شِبْهَ الْخَرَزِ، فَإِذَا يَبِسَ يَتَّخِذُونَ مِنْهُ الْقَلَائِدَ، إِذَا جَازَ وَأَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ عِظَامِ السُّلَحْفَاةِ وَغَيْرِهَا الْأَسْوِرَةُ جَازَ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ عَصَبِ أَشْبَاهِهَا خَرَزٌ يُنْظَمُ مِنْهَا الْقَلَائِدُ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ الْعَصَبَ مِنْ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ تُسَمَّى فَرَسَ فِرْعَوْنَ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْخَرَزُ وَغَيْرُهَا مِنْ نِصَابِ سِكِّينٍ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ أَبْيَضَ. (وَسُوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الْعَاجَ هُوَ الذَّيْلُ، وَهُوَ عَظْمُ ظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، وَمِنَ الْعَجِيبِ الْعُدُولُ عَنِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ إِلَى مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَاجَ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ، وَعَلَى هَذَا يُفَسِّرُهُ النَّاسُ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ، قُلْتُ: لَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ أَنَّ عَظْمَ الْمَيِّتِ نَجِسٌ عِنْدَهُمْ، بَلْ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْفِيلَ نَجِسُ الْعَيْنِ. وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: طَهَارَةُ عَظْمِ الْحَيَوَانِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالزَّكَاةِ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ إِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَذَكَرَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ نَاقِلًا عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: إِنَّ الْعَاجَ هُوَ الذَّيْلُ وَهُوَ عَظْمُ ظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ بَحْرِيٍّ، وَأَمَّا الْعَاجُ أَيْ عَظْمُ الْفِيلِ فَنَجِسٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَلَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ هَاهُنَا اهـ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: الْعَاجُ الذَّيْلُ، وَعَظْمُ الْفِيلِ، وَالذَّيْلُ جِلْدُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ أَوِ الْبَرِّيَّةِ، أَوْ عِظَامُ ظَهْرِ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَسْوِرَةُ وَالْأَمْشَاطُ اهـ. وَلَعَلَّ الْقُلْبَيْنِ كَانَا فِي يَدَيْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَلْبَسَتْهُمَا الْحَسَنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا لُبْسُهُمَا، فَلَمَّا عَاقَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِجْرَتِهَا، وَعَاتَبَهَا عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهَا فِي صُورَةِ عِصْيَانِهَا، وَكَفَّرَهَا بِالصَّدَقَةِ عَنْهَا وَعَنْ أَوْلَادِهَا جَبَرَهَا بِشِرَاءِ الْقِلَادَةِ وَالسُّوَارَيْنِ لِتَلْبَسَهُمَا احْتِرَازًا مِنَ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، وَإِظْهَارًا لِلتَّقَنُّعِ بِأَخْشَنِ الْأَحْوَالِ الْمُوجِبِ لِأَحْسَنِ الْآمَالِ فِي الْمَآلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>