٤٤٧١ - وَعَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَافَرَ، كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ بِإِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ فَاطِمَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَاطِمَةَ، فَقَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ وَقَدْ عَلَّقَتْ مَسْحًا أَوْ سِتْرًا عَلَى بَابِهَا، وَحَلَّتِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَدِمَ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَظَنَّتْ أَنَّ مَا مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَا رَأَى، فَهَتَكَتِ السِّتْرَ، وَفَكَّتِ الْقُلْبَيْنِ عَنِ الصَّبِيَّيْنِ، وَقَطَعَتْهُ مِنْهُمَا، فَانْطَلَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْكِيَانِ، فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا فَقَالَ: " يَا ثَوْبَانُ! اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى فُلَانٍ، إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا. يَا ثَوْبَانُ! اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصْبٍ، وَسُوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
٤٤٧١ - (وَعَنْ ثَوْبَانِ) : أَيْ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ مِنْ عَادَتِهِ (إِذَا سَافَرَ، كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ) : أَيْ وَصِيَّتُهُ وَأَمْرُهُ وَحَدِيثُهُ وَمُوَادَعَتُهُ (بِإِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ) : أَيْ مِنْ بَيْنِ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ (فَاطِمَةَ) : أَيْ عَهِدَهَا لِيَصِحَّ الْحَمْلُ وَهِيَ خَبَرُ كَانَ (وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا) : أَيْ مِنْ أَهْلِهِ إِذَا قَدِمَ (فَاطِمَةَ) : بِالنَّصْبِ، وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ (فَقَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ) : أَصْلُهَا عَزَوَةٌ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إِلَى الزَّايِ، وَقُلِبَتْ أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا فِي الْأَصْلِ، وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا الْآنَ، وَقِيلَ: مَا قَبْلَ تَاءِ التَّأْنِيثِ مُتَحَرِّكٌ تَقْدِيرًا إِذِ السُّكُونُ عَارِضٌ (وَقَدْ عَلَّقَتْ) : أَيْ فَاطِمَةُ (مَسْحًا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ بَلَاسًا (أَوْ سِتْرًا) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَوْ لِلشَّكِّ (عَلَى بَابِهَا) : أَيْ لِلزِّينَةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلسُّتْرَةِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِيهَا تَمَاثِيلُ فَالْإِنْكَارُ بِسَبَبِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَحَلَّتِ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ حَلَّيَتْ مِنَ التَّحْلِيَةِ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَإِنَّمَا حُرِّكَتِ التَّاءُ هُنَا فِي الْوَصْلِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَيْضًا، فَحَرَكَتُهَا عَارِضِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى زَيَّنَتْ فَاطِمَةُ بِإِلْبَاسِهَا (الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْبَيْنِ) : بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ سُوَارَيْنِ (مِنْ فِضَّةٍ) : وَفِيهِ احْتِمَالَانِ، وَهُوَ أَلْبَسَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْبَيْنِ أَوْ قُلْبًا (فَقَدِمَ) : تَأْكِيدٌ لِلطُّولِ بِالْجُمَلِ الْحَالِيَّةِ، وَتَقْرِيبٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْفُصُولِ (فَلَمْ يَدْخُلْ) : أَيْ بَيْتَ فَاطِمَةَ لِمَا رَأَى بِنُورِ النُّبُوَّةِ وَظُهُورِ الْمُكَاشَفَةِ تَسَتُّرَ بَابِهَا وَتَغْيِيرَ جَنَابِهَا بِإِلْبَاسِ أَوْلَادِهَا مَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا مِنَ اللُّبْسِ. (فَظَنَّتْ أَنَّ مَا) : هِيَ مَوْصُولَةٌ فَحَقُّهَا أَنْ تُكْتَبَ مَفْصُولَةً أَيْ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّ الَّذِي (مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ) : أَيْ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهَا أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ (مَا رَأَى) : هِيَ صَدْرِيَّةٌ فَاعِلُ مَنَعَهُ، أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ مَا رَآهُ مِنَ التَّسَتُّرِ وَالتَّغَيُّرِ، وَتَوْضِيحُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِحُصُولِ الْمَرَامِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ هُوَ أَنَّ (أَنَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَ " مَا " أَيْ أَنَّ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَافَّةً بِمَعْنَى " مَا " وَفَاعِلُ مَنَعَهُ مَا رَأَى أَيْ مَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَّا مَا رَآهُ مِنْ تَعْلِيقِ أَحَدِ السِّتْرَيْنِ وَتُحِلِّيهِ الْحَسَنَيْنِ، فَحِينَئِذٍ تُكْتَبُ " مَا " مَوْصُولَةً، وَأَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَمَنَعَهُ صِلَتُهُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى " مَا " وَرَأَى خَبَرُ أَنَّ أَيِ الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ مَا رَآهُ، فَعَلَى هَذَا تُكْتَبُ " مَا " مَوْصُولَةً، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ، وَ " مَا " فِي رَأَى مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَهَتَكَتِ السِّتْرَ) : شَقَّتْهُ وَكَشَفَتْهُ (وَفَكَّتْ) : بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ (الْقُلْبَيْنِ) : أَيْ تَقْلِيبَهُمَا وَتَطْوِيقَهُمَا (عَنِ الصَّبِيَّيْنِ، وَقَطَعَتْهُ) : أَيْ مَا بِأَيْدِي الصَّبِيَّيْنِ أَوْ كُلًّا مِنَ الْقَلْبَيْنِ (مِنْهُمَا) : أَيْ أَيْدِي الصَّبِيَّيْنِ أَوْ فَصَلَتْ كُلًّا مِنَ الصَّبِيَّيْنِ عَنِ الْقَلْبَيْنِ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَحَاصِلُهُ عَدَمُ تَعَلُّقِ الْقُلْبَيْنِ بِالْقَلْبَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ} [الأحزاب: ٤] (فَانْطَلَقَا) : أَيِ الْحَسَنَانِ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْكِيَانِ) ، أَيْ عَلَى عَادَةِ الصِّغَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ وَلَوْ بِالْأَحْجَارِ (فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا) ، قَالَ الْأَشْرَفُ: أَيْ أَخَذَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرِّقَّةِ عَلَيْهِمَا.
قُلْتُ: لَا يُلَائِمُهُ مَا بَعْدَهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ إِلَى تَقْدِيرِ أَمْرٍ زَائِدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَاطِمَةَ بَعْدَ فَكِّ الْقُلْبَيْنِ أَرْسَلَتْهُمَا فِي أَيْدِي الْحَسَنَيْنِ لِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِمَا، فَأَخَذَهُ أَيْ مَا فِي أَيْدِهِمَا أَوْ كُلًّا مِنَ الْقَلْبَيْنِ مِنْهُمَا أَيْ مِنَ الْحَسَنَيْنِ وَأَعْطَاهُ لِثَوْبَانَ (فَقَالَ يَا ثَوْبَانُ! اذْهَبْ بِهَذَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنَ الْقُلْبَيْنِ، وَقِيلَ: إِشَارَةً إِلَى الْقَلْبِ، أَوْ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ (إِلَى آلِ فُلَانٍ) ، أَيْ أَهْلِ بَيْتٍ مَشْهُورٍ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْأَشْرَفِ - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ وَاقِعًا مَوْقِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَيِ الْقُلْبَ الْمُفَكَّكَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ التَّصْرِيحُ لِقَوْلِهِ اذْهَبْ بِهَذَا وَهَذَا لِلتَّحْقِيرِ اهـ. وَفِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ مَحَلَّ تَفْتِيشٍ وَتَنْقِيرٍ، نَعَمْ إِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّحْقِيرُ الْمَعْنَوِيُّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ مِنْ زِيَادَةِ التَّنَعُّمِ الصُّورِيِّ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، وَتَنْبِيهٌ نَبِيهٌ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّ هَؤُلَاءِ) : أَيِ الْحَسَنَانِ وَوَالِدَاهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute