٤٤٢٥ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٤٢٥ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا) : أَيْ فِي أَمْرٍ (لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ) : أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ حُكْمٌ بِالْمُخَالَفَةِ (وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ) : أَيِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى (يَسْدُلُونَ) : بِضَمِّ الدَّالِّ وَيُكْسَرُ، فَفِي الْمُغْرِبِ: سَدَلَ مِنْ بَابِ (طَلَبَ) ، وَ (أَسْدَلَ) خَطَأٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: سَدَلَهُ يَسْدُلُهُ وَأَسْدَلَهُ أَرْخَاهُ وَأَرْسَلَهُ. (أَشْعَارَهُمْ) : وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إِرْسَالُ الشَّعْرِ حَوْلَ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَسَّمَ نِصْفَيْنِ، نِصْفٌ مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ وَنَحْوَ صَدْرِهِ، وَنِصْفٌ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: سَدَلَ الشَّعْرَ إِذَا أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَضُمَّ جَوَانِبَهُ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ وَالْفَرْقُ فَرْقُ الشَّعْرِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: السَّدْلُ أَنْ يُرْسِلَ الشَّخْصُ شَعْرَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَلَا يَجْعَلَهُ فِرْقَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِرْقَتَيْنِ، كُلَّ فِرْقَةٍ ذُؤَابَةً. وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: (وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِضَمٍّ وَرُوِيَ مِنَ التَّفْرِيقِ (رُءُوسَهُمْ) : أَيْ شَعْرَ رُءُوسِهِمْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَيَكْشِفُوا عَنْ جَبِينِهِمْ.
قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْفَرْقُ قِسْمَةُ الشَّعْرِ، وَالْمِفْرَقُ: وَسَطُ الرَّأْسِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (فَسَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ) : أَيْ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ (ثُمَّ فَرَقَ) : بِالتَّخْفِيفِ وَقَدْ يُشَدَّدُ وَزَادَ فِي الشَّمَائِلِ رَأْسَهُ أَيْ شَعْرَهُ (بَعْدُ) : بِضَمِّ الدَّالِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الزَّمَانِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ - الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ وَأَمَرَهُ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ الْمُسْلِمُونَ رُءُوسَهُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَقِيلَ فَعَلَهُ ائْتِلَافًا لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَمُوَافَقَةً لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَلَمَّا أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ خَالَفَهُمْ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: صَبْغُ الشَّيْبِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوهُ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا ; لِأَنَّهُ قَالَ: يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا لَنَا لَتَحَتَّمَ اتِّبَاعُهُ. قَالُوا: وَالْفَرْقُ سُنَّةٌ ; لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ: إِنَّمَا كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ: نُسِخَ السَّدْلُ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَلَا اتِّخَاذُ النَّاصِيَةِ وَالْجُمَّةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ الْفَرْقِ وَلَا وُجُوبُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ اجْتِهَادًا فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا بِوَحْيٍ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ مُسْتَحَبًّا. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَّةٌ، فَإِنِ افْتَرَقَتْ فَرَقَهَا وَإِلَّا تَرَكَهَا» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ جَوَازُ السَّدْلِ، وَالْفَرْقُ أَفْضَلُ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute