وَلَمْ يُكْمِلْ مَا يَتَعَلَّقُ بِضَرُورَةِ عِمَارَتِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَيْدَ الْجَمْعِ اتِّفَاقِيٌّ، أَوْ عَادِيٌّ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ مُتَابَعَةِ هَذِهِ الْأَشْخَاصِ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ النَّفْسِ يُوهِنُ عَزْمَ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ: قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفَوَّضَ إِلَّا إِلَى أُولِي الْحَزْمِ وَفَرَاغِ الْبَالِ لَهَا، وَلَا تُفَوَّضَ إِلَى مُتَعَلِّقِي الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ عَزْمَهُ. (" وَلَا رَجُلٌ اشْتَرَى غَنَمًا ") : جِنْسٌ ("، أَوْ خَلِفَاتٍ ") : جَمْعُ الْخَلِفَةِ بِفَتْحٍ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْحَامِلُ مِنَ النُّوقِ وَ (أَوْ) : لِلتَّنْوِيعِ (" وَهُوَ يَنْتِظَرُ وِلَادَهَا ") : بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ: نِتَاجَهَا، وَالضَّمِيرُ إِلَى الْخَلِفَاتِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ ; لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ الْأُخْرَى؛ إِذِ التَّقْدِيرُ: وِلَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، أَوْ وِلَادَ الْمَذْكُورَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: ٣٤] قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ عَلَى التَّغْلِيبِ، (" فَغَزَا ") أَيْ: قَصَدَ الْغَزْوَ وَشَرَعَ فِي سَفَرِهِ (" فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي مُسْلِمٍ: فَأَدْنَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِهَمْزِ الْقَطْعِ، وَكَذَا عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَيْضًا، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْدِيَةً لَدَنَا. بِمَعْنَى قَرُبَ أَيْ: أَدْنَى جُيُوشَهُ إِلَى الْقَرْيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَانَ أَيْ: حَانَ فَتْحُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَدْنَتِ النَّاقَةُ إِذَا حَانَ وَقْتُ نِتَاجِهَا، وَلَمْ يَقُلْ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ. فِي النِّهَايَةِ: فَأَدْنَى بِالْقَرْيَةِ هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الدُّنُوِّ وَأَصْلُهُ أَدْتَنَى فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الدَّالِ اهـ. فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: أَدَانَ مِنَ الدَّيْنِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَرُبَ مِنَ الْقَرْيَةِ (" صَلَاةَ الْعَصْرِ ") أَيْ: وَقْتَهَا، وَالْمُرَادُ آخِرُ أَجْزَائِهِ لِقَوْلِهِ: ("، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ") أَيْ: مِنْ آخِرِ الْعَصْرِ، فَأَوْ لِلتَّرْدِيدِ احْتِيَاطًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي (" فَقَالَ ") أَيْ: ذَلِكَ النَّبِيُّ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ) أَيْ: بِالسَّيْرِ (وَأَنَا مَأْمُورٌ) أَيْ: بِفَتْحِ الْقَرْيَةِ فِي النَّهَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجَبَّارِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ خَافَ أَنْ تَغِيبَ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْهُمْ، وَيَدْخُلَ السَّبْتُ فَلَا يُحِلُّ لَهُ قِتَالُهُمْ فِيهِ فَدَعَا اللَّهَ. (" وَقَالَ: اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ ") أَيِ: الشَّمْسُ (" حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ") .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي حَبْسِ الشَّمْسِ، فَقِيلَ رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا، وَقِيلَ: وَقَفَتْ بِلَا رَدٍّ، وَقِيلَ: بَطَأَ تَحَرُّكُهَا. قُلْتُ: أَوْسَطُهَا ; لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْحَبْسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَرَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَالثَّانِيَةُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ: وَأَمَّا رَدُّ الشَّمْسِ لِحُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَرَأَسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَصْلَيْتَ يَا عَلِيُّ "؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ، وَوَقَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِي خَيْبَرَ» ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْحَدِيثِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الشِّفَاءِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْعَسْقَلَانِيَّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَصْلَ لَهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَأَوْرَدَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَلَكِنْ قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ شَاهِينَ وَغَيْرُهُمْ فِي الشِّفَاءِ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ قَوْمَهُ بِالرُّفْقَةِ وَالْعَلَامَةِ الَّتِي فِي الْعِيرِ قَالُوا: مَتَى تَجِيءُ، قَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءَ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَتْ قُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ وَقَدْ وَلَّى النَّهَارُ، وَلِمَ تَجِئْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِيدَ لَهُ فِي النَّهَارِ سَاعَةً وَحُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ الشَّمْسَ فَتَأَخَّرَتْ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ» اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute