للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ قَيَّدَ الْمُرَائِيَ بِالَّذِي لَا يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ جَمَعَ فِي الْعِبَادَةِ بَيْنَ النِّيَّتَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ أَنَّ الرِّيَاءَ ضَرْبَانِ: رِيَاءٌ مَحْضٌ وَرِيَاءُ تَخْلِيطٍ، فَالْمَحْضُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْعَ الدُّنْيَا لَا غَيْرَ، وَالتَّخْلِيطُ أَنْ يُرِيدَهُمَا جَمِيعًا، فَهَذَا أَحَدُهُمَا، وَأَمَّا تَأْثِيرُهُمَا فَإِنَّ إِخْلَاصَ الْعَمَلِ أَنْ يَجْعَلَ الْفِعْلَ قُرْبَةً، وَإِخْلَاصَ طَلَبِ الْأَجْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَقْبُولًا وَافِرَ الْأَجْرِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مِنْ تَأْثِيرِ الرِّيَاءِ رَفْعَ الْقَبُولِ وَالنُّقْصَانَ فِي الثَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَقَالَ فِي عَيْنِ الْعِلْمِ: إِلَّا فُحْشٌ فِي الرِّيَاءِ أَنْ لَا يُرِيدَ الثَّوَابَ أَصْلًا، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمَقْتِ، ثُمَّ مَا فِيهِ إِرَادَتَانِ، وَالرِّيَاءُ غَالِبٌ فَهُوَ بِقُرْبِهِ، ثُمَّ مَا اسْتَوَيَا فِيهِ، فَالْمَرْجُوُّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَا تَرَجَّحَ فِيهِ قَصْدُ الثَّوَابِ، فَالْمَظْنُونُ أَنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ النُّقْصَانُ لَا الْبُطْلَانُ، أَوِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ بِحَسَبِ الْقَصْدَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْهُ تَعَالَى بِالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَالْبُعْدِ عَنْهُ الذُّهُولُ، وَمَا وَرَدَ أَنَا أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْكِ وَنَحْوُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُرِيدَ الثَّوَابَ أَصْلًا، وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا تَسَاوَيَا، أَوْ تَرَجَّحَ الرِّيَاءُ. قَالَ الْأَشْرَفُ: وَلَا بُدَّ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا مَنْ غَزَا مِنْ إِضْمَارِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: فَأَمَّا غَزْوُ مَنِ ابْتَغَى، وَأَمَّا غَزْوُ مَنْ غَزَا فَإِنَّهُمَا قَسَمَانِ لِمَوْرِدِ الْقِسْمَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا يَسْتَتِبُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِجْرَاءُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ الْغَزْوُ غَزْوَانِ: غَزْوُ مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ، وَغَزْوُ مَنْ لَمْ يَبْتَغِ، وَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ، فَحُكْمُهُ كَذَا، وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا فَحُكْمُهُ كَذَا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ مَعَ التَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ - فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} [هود: ١٠٥ - ١٠٦] الْآيَتَيْنِ فَحُذِفَ التَّفْرِيقُ لِدَلَالَةِ التَّقْسِيمِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي، فَاقْتَصَرَ الْكَلَامُ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْغُزَاةِ عَنْ ذِكْرِ الْقِسْمَيْنِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>