للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

٣٦٩١ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ ; بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٣٦٩١ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ) ; أَيْ نَبِيًّا (وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ) ; أَيْ إِمَامًا بَعْدَهُ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ (إِلَّا كَانَتْ لَهُ) ; أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (بِطَانَتَانِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ; أَيْ وَزِيرَانِ وَمُشِيرَانِ، مُشَبَّهَانِ بِالْبِطَانَةِ لِمُلَازَمَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ صُحْبَتِهِ، (بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ) ; أَيْ بِالْخَيْرِ (وَتَحُضُّهُ) بِتَشْدِيدِ الضَّادِ ; أَيْ تَحُثُّهُ عَلَيْهِ وَتُرَغِّبُهُ إِلَيْهِ وَتُحَسِّنُهُ لَدَيْهِ (وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ ; أَيْ بِالْمُنْكِرِ (وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ) ; أَيْ تُحَرِّضُهُ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو نَبِيٌّ، أَوْ مَنْ يَخْلُفُ مَكَانَهُ مِنْ شَخْصَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ جَمَاعَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ فِي الرَّأْيِ ; كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي جُلَسَاءِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ، (وَالْمَعْصُومُ) ; أَيْ مِنَ النَّبِيِّ وَالْخَلِيفَةِ (مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ) ; أَيْ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِّ وَقَبُولِ كَلَامِهِ، وَالتَّوْفِيقِ بِمُتَابَعَةِ الْخَيْرِ وَقَضَاءِ مَرَامِهِ، وَالْمَعْصُومُ مِنَ الْبِطَانَتَيْنِ مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّرِّ وَوَفَّقَهُ لِلْخَيْرِ. هَذَا وَفِي النِّهَايَةِ بِطَانَةُ الرَّجُلِ صَاحِبُ سِرِّهِ وَدَاخِلَةُ أَمْرِهِ، الَّذِي يُشَاوِرُهُ فِي أَحْوَالِهِ، الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨] بِطَانَةُ الرَّجُلِ ; ذُو وَلِيجَتِهِ وَخَصِيصُهُ، وَصَفِيِّهُ الَّذِي يُفْضِي إِلَيْهِ بِحَوَائِجِهِ ثِقَةً بِهِ، شُبِهَ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ شِعَارِيٌّ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْبِطَانَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، قَدْ تُتَصَوَّرُ فِي بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، وَلَكِنَّهَا مُنَافِيَةٌ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَيْفَ لَا وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَامَّةَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، قُلْتُ: الْوَجْهُ مَا رَوَى الْأَشْرَفُ عَنْ بَعْضِهِمْ ; أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْمَلَكُ، وَبِالثَّانِي الشَّيْطَانُ، وَيُرِيدُهُ قَوْلُهُ: وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» ". أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ «حَدِيثِ أَبِي الْهَيْثَمِ، وَضِيَافَتِهِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي حَائِطٍ لَهُ مِنْ ذَبْحِ الْغَنَمِ وَإِحْضَارِ الرُّطَبِ وَالْمَاءِ الْعَذْبِ إِلَى أَنْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَلْ لَكَ خَادِمٌ " قَالَ لَا " قَالَ: فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا " فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْتَرْ مِنْهُمَا " فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اخْتَرْ لِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ فَخُذْ هَذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا " فَانْطَلَقَ بِهِ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; إِلَّا أَنْ تُعْتِقَهُ، قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ» ". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>