٣٦٩٠ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ - الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِهِمْ مَا وَلُوا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٣٦٩٠ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ الْمُقْسِطِينَ) ; أَيِ الْعَادِلِينَ، ضِدَّ الْقَاسِطِينَ ; أَيِ الْجَائِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: ١٥] قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْقِسْطُ بِالْكَسْرِ الْعَدْلُ وَالْأَصْلُ فِيهِ النَّصِيبُ، تَقُولُ: مِنْهُ قَسَطَ الرَّجُلُ إِذَا جَارَ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ قِسْطَ غَيْرِهِ، وَالْمَصْدَرُ الْقُسُوطُ، وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ، وَهُوَ أَنْ يُعْطَى نَصِيبُ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلَ أَنَّ الْأَلِفَ أُدْخِلَ فِيهِ لِسَلْبِ الْمَعْنَى ; كَمَا أُدْخِلَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَفْعَالِ، فَيَكُونُ الْإِقْسَاطُ إِزَالَةَ الْقُسُوطِ (عِنْدَ اللَّهِ) ; أَيْ مُقَرَّبُونَ إِلَيْهِ وَمُكَرَّمُونَ لَدَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ زِيَادَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (عَلَى مَنَابِرَ) ; أَيْ مُرْتَفِعُونَ عَلَى أَمَاكِنَ عَالِيَةٍ غَالِيَةٍ، (مِنْ نُورٍ) ; أَيْ مُنَوَّرَةٍ، كَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نُورٍ، أَوْ هِيَ نُورٌ مُبَالَغَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَنَابِرُ جَمْعُ مِنْبَرٍ سُمِّيَ بِهِ لِارْتِفَاعِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَنَابِرَ حَقِيقَةً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مَنَابِرَ فَهُوَ عَلَى أَعْلَى مَرْتَبَةً، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمُرَادُ مِنْهُ كَرَامَتُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَقُرْبُ مَحَلِّهِمْ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ مَنْ عُظِّمَ قَدْرُهُ فِي النَّاسِ ; أَنْ يُبَوَّأَ عَنْ يَمِينِ الْمَلِكِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَّهَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ عَمَّا سَبَقَ إِلَى فَهْمِ مَنْ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، مِنْ مُقَابَلَةِ الْيَمِينِ بِالْيَسَارِ، وَكَشَفَ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ (وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ ; لِأَنَّ الشِّمَالَ عَلَى النَّقْصِ وَالضَّعْفِ، وَقَوْلُهُ: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ; هِيَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نُكَيِّفُهَا، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ ; وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْعَرَبُ تَنْسُبُ الْفِعْلَ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْجُهْدِ وَالْقُوَّةِ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا الْإِحْسَانَ وَالْإِفْضَالَ إِلَيْهَا، وَضِدُّهَا إِلَى الْيَسَارِ، وَقَالُوا: الْيَمِينُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْيُمْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَكِلْتَا يَدَيْهِ ; دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ يَمِينًا مِنْ جِنْسِ أَيْمَانِنَا الَّتِي يُقَابِلُهَا يَسَارٌ، وَأَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ حَتَّى فَازَ بِالْوُصُولِ إِلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الزُّلْفَى مِنَ اللَّهِ ; عَاقَ غَيْرَهُ عَنْ أَنْ يَفُوزَ بِمِثْلِهِ كَالسَّابِقِ إِلَى مَحِلٍّ مِنْ مَجْلِسِ السُّلْطَانِ، بَلْ جِهَاتِهِ وَجَوَانِبِهِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ إِلَيْهَا الْعِبَادُ سَوَاءٌ (الَّذِينَ يَعْدِلُونَ) صِفَةُ الْمُقْسِطِينَ، أَوْ بَدَلٌ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِأَعْنِي ; مَرْفُوعٌ بِتَقْدِيرِهِمْ، أَوِ اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَؤُلَاءِ السَّادَةُ الْمُقَرَّبُونَ فَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ (فِي حُكْمِهِمْ) ; أَيْ فِيمَا يُقَلَّدُونَ مِنْ خِلَافَةٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ إِمَارَةٍ، (وَأَهْلِيهِمْ) ; أَيْ مَا يَجِبُ لِأَهْلِيهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ، (وَمَا وَلُوا) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ، وَالْأَصْلُ وَلِيُوا، عَلَى وَزْنِ عَلِمُوا نُقِلَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ إِلَى اللَّامِ بَعْدَ سَلْبِ حَرَكَتِهَا وَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ; أَيْ وَمَا كَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْيَتِيمِ، أَوْ وَقْفٍ، أَوْ حِسْبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ; أَيْ مَا جُعِلُوا وَالِينَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسْتَوْعِبُ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ فَيُدْخِلُ فِيهِ نَفْسَهُ أَيْضًا، قَالَ الْأَشْرَفُ: فَالرَّجُلُ يَعْدِلُ مَعَ نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يُضِيعَ وَقْتَهُ فِي غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، بَلْ يَمْتَثِلُ أَوَامِرَ اللَّهِ وَيَنْزَجِرُ عَنْ نَوَاهِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، كَمَا هُوَ دَأْبُ الْأَوْلِيَاءِ الْكِرَامِ الْمُقَرَّبِينَ، أَوْ غَالِبًا كَمَا هُوَ دَيْدَنُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ; ظَالِمٍ وَمُقْتَصِدٍ وَسَابِقٍ ; وَالْمُقْتَصِدُ مَنْ عَدَلَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ إِلَى حَدِّ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَتَرَقَّ إِلَى مَرْتَبَةِ السَّابِقِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute