للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» " (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ الرَّاوِي ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ) : أَيْ: غَيْرُ حَافِظٍ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا النَّفَاذُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانٍ طَلَاقٌ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ، وَكَذَا عَتَاقَهُ وَخُلْعُهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ مَنْ كَالصَّاحِي، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَالٍ بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ بِوُقُوعِهِ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ، وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ زُفَرُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُخْتَارُ الْكَرْخِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَاتَّفَقَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقِنَّبِ؛ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ بَعْدَ أَنِ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَأَفْتَى الْمُزَنِيُّ بِحُرْمَتِهَا وَأَفْتَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو بِحِلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ شَأْنِهَا فِيهِمْ، فَلَمَّا ظَهَرَ مَنْ أَمْرِهَا الْفَسَادُ كَثِيرًا وَفَشَا عَادَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ إِلَى تَحْرِيمِهَا، وَأَفْتَوْا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِهَا وَعَدَمُ الْوُقُوعِ بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لِعَدَمِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتَّدَاوِي غَالِبًا، فَلَا يَكُونُ زَوَالُ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّدَاوِي بَلْ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَةِ. يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ يَقَعُ ثُمَّ لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ، ثُمَّ سَكِرَ، لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُقُوعِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إِلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوِ اضْطُرَّ، لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اعْتُبِرَتْ عِبَارَاتُهُ، وَأَمَّا مِنْ شَرِبَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخِذَةِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>