٢٤٧٨ - (وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
٢٤٧٨ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ) بِأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَيْ: كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ أَوْ فِي مَجْلِسٍ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاحِ عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ ثَلَاثَ أَوْقَاتٍ وَهِيَ عِنْدَ امْتِثَالِ الطَّاعَةِ وَانْتِهَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَإِصَابَةِ الْمُصِيبَةِ، أَوْ عِنْدَ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ (قَالَتِ الْجَنَّةُ) بِبَيَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْقَالِ لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إِنْطَاقِ الْجَمَادَاتِ، أَوِ الْمُرَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ وَالْوِلْدَانِ وَخَزَنَتِهَا (اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ) أَيْ: دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ لُحُوقًا آخِرِيًّا (وَمَنِ اسْتَجَارَ) أَيِ: اسْتَحْفَظَ (مِنَ النَّارِ) بِأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ) أَيِ: احْفَظْهُ أَوْ أَنْقِذْهُ (مِنَ النَّارِ) أَيْ: مِنْ دُخُولِهِ أَوْ خُلُودِهِ فِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي وَضْعِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ تَجْرِيدٌ وَنَوْعٌ مِنْ الِالْتِفَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَلَا بُعْدَ فِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: ٣٠] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً شَبَّهَ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي تَحَقُّقِهِمَا وَثُبُوتِهِمَا بِنُطْقِ النَّاطِقِ كَأَنَّ الْجَنَّةَ مُشْتَاقَةٌ إِلَيْهِ سَائِلَةٌ دَاعِيَةٌ دُخُولَهُ وَالنَّارَ نَافِرَةٌ مِنْهُ دَاعِيَةٌ لَهُ بِالْبُعْدِ مِنْهَا فَأَطْلَقَ الْقَوْلَ وَأَرَادَ التَّحَقُّقَ وَالثُّبُوتَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ: قَالَ خَزَنَتُهُمَا فَالْقَوْلُ إِذًا حَقِيقِيٌّ، أَقُولُ: لَكِنَّ الْإِسْنَادَ مَجَازِيٌّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْحَمْلُ عَلَى لِسَانِ الْحَالِ وَتَقْدِيرِ الْمُضَافِ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرِّرَةِ أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يَحُلِ الْعَقْلُ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَنُطْقُ الْجَمَادَاتِ بِالْعُرْفِ وَاقِعٌ كَتَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَغَيْرِهِ اهـ. أَقُولُ: هَذِهِ قَاعِدَةٌ قَرِيبَةٌ إِلَى الْقَوَاعِدِ الظَّوَاهِرِيَّةِ فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى تَأْوِيلِ (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُمْكِنُ بِطَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ سُؤَالُ الْقَرْيَةِ وَجَوَانِبُهَا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نَظَرًا إِلَى الْمَأْلُوفِ الْمُعْتَادِ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَطْوَارُ الْآخِرَةِ وَالْأَسْرَارُ الْإِلَهِيَّةُ كُلُّهَا الثَّابِتَةُ بِالنَّقْلِ مِنْ وَرَاءِ طَوْرِ الْعَقْلِ، وَلِذَا أَنْكَرَهَا الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِمَّنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَعْقَلُ الْعُقَلَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا الْأَنْبِيَاءُ مُرْسَلُونَ إِلَى الْأَغْبِيَاءِ بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَالْمُعْتَزِلَةِ أَنْكَرُوا بَعْضَ الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ وَالرُّؤْيَةِ وَأَمْثَالِهَا، وَقَابَلَهُمْ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَحَمَلُوا الْقُرْآنَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَثْبَتُوا لِلَّهِ الصِّفَاتِ الْجُسْمَانِيَّةَ وَجَعَلُوا لَهُ الْجَوَارِحَ كَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْأَصَابِعِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُحَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ، وَعَارَضَهُمْ بَعْضُ الْبَاطِنِيَّةِ فَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَصَرَفُوهُمَا عَنْ ظَوَاهِرِهِمَا وَقَالُوا الْمُرَادُ بِمُوسَى الْقَلْبُ وَبِفِرْعَوْنَ النَّفْسُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَالْحَقُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الْكَامِلُونَ الْمُعْطُونَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ) وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute