للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ. قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، لَكِنَّ مُخْتَارَ الْكَشَّافِ وَالْبَيْضَاوِيِّ: أَنَّ مَعْنَاهُ مَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الْجَنَّةِ كَالذُّبَابِ، أَوْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ مَثَلًا، وَهُوَ الصِّغَرُ وَالْحَقَارَةُ كَجَنَاحِهَا. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَنَظِيرُهُ فِي الِاحْتِمَالَيْنِ مَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا بِمِنًى خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكَ بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ". فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا تَجَاوَزَ الشَّوْكَةَ فِي الْأَلَمِ كَالْخُرُورِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الْقِلَّةِ كَمَخَبَّةٍ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «مَا أَصَابَ الْمُؤْمِنَ مِنْ مَكْرُوهٍ فَهُوَ لِخَطَايَاهُ حَتَّى نَخْبَةِ النَّمْلَةِ» " اهـ. وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ: قَرْصَتُهَا، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ. (إِلَّا بِذَنْبٍ) أَيْ: يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ. (وَمَا يَعْفُو اللَّهُ) : " مَا " مَوْصُولَةٌ أَيِ: الَّذِي يَغْفِرُهُ وَيَمْحُوهُ. (عَنْهُ أَكْثَرُ) : مِمَّا يُجَازِيهِ. قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ: أَيْ: لَا تُصِيبُ الْعَبْدَ فِي الدُّنْيَا مُصِيبَةٌ إِلَّا بِسَبَبِ ذَنْبٍ صَدَرَ مِنْهُ، تَكُونُ تِلْكَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي لَحِقَتْهُ فِي الدُّنْيَا كَفَّارَةٌ لِذَنْبِهِ، وَالَّذِي يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يُجَازِيَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَكْثَرُ وَأَحْرَى مِنْ ذَلِكَ، فَانْظُرْ إِلَى حُسْنِ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ. (وَقَرَأَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. {وَمَا أَصَابَكُمْ} [الشورى: ٣٠] : مَا: شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَعْنَى الشَّرْطِ. {مِنْ مُصِيبَةٍ} [الشورى: ٣٠] أَيْ: مِنْ مَرَضٍ، وَشِدَّةٍ، وَهَلَاكٍ، وَتَلَفٍ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُذْنِبِينَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا تُصِيبُهُمْ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ. {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] : الرِّوَايَةُ بِالْفَاءِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِحَذْفِهَا فِي الْآيَةِ أَيْ: بِذُنُوبٍ كَسَبَتْهَا أَنْفُسُكُمْ، فَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ: بِكَسْبِكُمُ الْآثَامَ، وَانْتِسَابُ الِاكْتِسَابِ إِلَى الْأَيْدِي ; لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا، وَالْمَعْنَى: مَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. (وَيَعْفُو) أَيْ: فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى: (عَنْ كَثِيرٍ) أَيْ: كَثِيرٍ مِنَ الذُّنُوبِ، أَوْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُذْنِبِينَ وَتُكْتَبُ الْأَلِفُ بَعْدِ وَاوِ يَعْفُ، مَعَ أَنَّهُ مُفْرَدٌ عَلَى الرَّسْمِ الْقُرْآنِيِّ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>