غَيْرِهِ مُنْفَرِدًا (خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا) أَيْ: مِثْلًا، وَفِي رِوَايَةٍ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي مَبْحَثِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ لَا الْحَصْرُ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَوْلُهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَقَوْلُهُ: ضِعْفًا كَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا، وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَيُؤَوَّلُ الضِّعْفُ بِالدَّرَجَةِ أَوْ بِالصَّلَاةِ، (وَذَلِكَ) أَيِ: التَّضْعِيفُ الْبَعِيدُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ: لِأَنَّهُ أَوْ بِأَنَّهُ يَعْنِي الرَّجُلَ أَوِ الشَّأْنَ (إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ) : أَيْ: مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ (إِلَّا الصَّلَاةُ) أَيْ: قَصَدَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ لَا شُغْلٌ آخَرُ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُؤَسِّسَةٌ لَا مُؤَكِّدَةٌ كَمَا قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ كَالتَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ، كَأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الصَّلَاةَ إِلَى الرَّجُلِ الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ، أَفَادَ صَلَاةَ الرَّجُلِ الْكَامِلِ الَّذِي لَا يُلْهِيهِ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي بَيْتِ اللَّهِ تُضَعَّفُ أَضْعَافًا ; لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَصِّرُ فِي شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَآدَابِهَا، فَإِذَا تَوَضَّأَ أَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِمَّا يُكَدِّرُهُ، وَإِذَا صَلَّى لَمْ يَتَعَجَّلْ لِلْخُرُوجِ، وَمَنْ هَذَا شَأْنُهُ فَجَدِيرٌ بِأَنْ يُضَاعَفَ ثَوَابُ صَلَاتِهِ. (لَمْ يَخْطُ) قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الطَّاءَ، وَقَوْلُهُ (خُطْوَةً) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ بِالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ، وَجَزَمَ الْيَعْمُرِيُّ أَنَّهَا هُنَا بِالْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهَا فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِالضَّمِّ (إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ) أَيْ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ (وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ) أَيْ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْفَضْلُ وَاسِعٌ. (فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ) بِالتَّأْنِيثِ وَيُذَكَّرُ (الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ: تَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وَتَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبِهِ (مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ) جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ: تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ فَخَامَةٌ (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: طَلَبُ الرَّحْمَةِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ لَهُمْ (وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ) أَيْ: حُكْمًا أُخْرَوِيًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ (مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ) أَيْ: مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، بَلْ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ. (وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: (إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ) أَيْ: لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ غَيْرُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ( «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» ) أَيْ: لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْحِكَايَاتِ: أَنَّ عَبْدًا اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَيُصَلِّيَ، فَأَذِنَ لَهُ وَوَقَفَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهُ، فَأَبْطَأَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ، فَقَالَ: مَا يُخَلِّينِي أَخْرُجُ، فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: الَّذِي لَا يُخَلِّيكَ تَدْخُلُ. (وَزَادَ) أَيْ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ) أَيْ: وَفِّقْهُ لِلتَّوْبَةِ أَوِ اقْبَلْهَا مِنْهُ أَوْ ثَبِّتْهُ عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى: لَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ دَاعِينَ لَهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ أَوْ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ (مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) : أَيْ: أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِلِسَانِهِ أَوْ يَدِهِ ; فَإِنَّهُ حَدَثٌ مَعْنَوِيٌّ، وَمِنْ ثَمَّةَ أَتْبَعَهُ بِالْحَدَثِ الظَّاهِرِيِّ فَقَالَ: (مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ) أَيْ: حَدَثًا حَقِيقِيًّا، وَهُوَ بِسُكُونِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِّ الْمَكْسُورَةِ، أَيْ: مَا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوؤُهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ; قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَلَعَلَّ سَبَبَ الِاسْتِفْسَارِ إِطْلَاقُ الْحَدَثِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، أَوْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِحْدَاثَ بِمَعْنَى الِابْتِدَاعِ، وَتَشْدِيدُ الدَّالِ خَطَأٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: مَا لَمْ يُؤْذِ بِحَدَثٍ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْفِعْلِ الْمَجْزُومِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: بِحَدَثٍ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مُتَعَلِّقًا بِـ يُؤْذِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ النَّاقِضُ لِلْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُهَلَّبِ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ يُحْرَمُ بِهَا الْمُحْدِثُ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ وَدُعَاءَهُمُ الْمَرْجُوَّ بَرَكَتُهُ، وَقِيلَ: إِخْرَاجُ الرِّيحِ مِنَ الدُّبُرِ لَا يَحْرُمُ، لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ، وَإِنْ مَنَعَ دُعَاءَ الْمَلَائِكَةِ، لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute