للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ، ثُمَّ صَارَ عَدَمُ جَوَازِهِ إِجْمَاعًا بِاتِّفَاقِ التَّابِعِينَ.

ش - قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الْعَادَةُ تَقْضِي بِامْتِنَاعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; لِامْتِنَاعِ تَطَابُقِ الْآرَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَلِيلًا.

أَجَابَ بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِامْتِنَاعِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنَدُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَلِيًّا، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ.

وَأَيْضًا مِثْلُ هَذَا الِاتِّفَاقِ وَاقِعٌ، لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا.

ش - الْقَائِلُونَ بِالِامْتِنَاعِ قَالُوا: لَوْ وَقَعَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ حُجَّةً لِلدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ. وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ ; لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ خِلَافِهِمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَالثَّانِي: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. أَجَابَ عَنْهُ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ.

فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَطَأً، وَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْخَطَأِ.

وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَا نُسَلِّمُ تَعَارُضَ الْإِجْمَاعَيْنِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي.

كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَرْطِ انْتِفَاءِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ. وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا بِانْتِفَاءِ الْقَاطِعِ، زَالَ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي، لِزَوَالِ شَرْطِهِ، فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا.

ش - احْتَجَّ الْمُجَوِّزُ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِكَوْنِ اتِّفَاقِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَائِزًا، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ - بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً، لَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ. وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ.

ش - الثَّانِي لَوْ كَانَ حُجَّةً لَحَصَلَ اتِّفَاقُ كُلِّ الْأُمَّةِ; لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ حُجَّةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ اتِّفَاقُهُمْ ; لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ. وَقَوْلُ مَنْ مَاتَ لَا يَنْعَدِمُ بِمَوْتِ قَائِلِهِ، وَلِهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ.

أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اتِّفَاقُ [أَهْلِ] الْعَصْرِ الثَّانِي، إِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ حُجَّةً ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ يَطَّرِدُ فِيهِ بِعَيْنِهِ.

ش - الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً - لَكَانَ مَوْتُ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفِ لِلْبَاقِينَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْبَاقِينَ حُجَّةً ; لِأَنَّ قَوْلَ الْبَاقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ الْأَحْيَاءِ، كَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

أَجَابَ بِالِالْتِزَامِ، أَيْ بِالْتِزَامِ قَوْلِ الْبَاقِي حُجَّةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ لِبَعْضٍ.

وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ، فَلَا يَكُونُ الِالْتِزَامُ جَوَابًا مِنْ جِهَتِهِمْ، بَلِ الْجَوَابُ مِنْ جِهَتِهِمُ الْفَرْقُ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ الَّذِي مَاتَ قَوْلُ مَنْ وُجِدَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي إِجْمَاعِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُ الْمُنْقَرِضِينَ لَيْسَ قَوْلَ مَنْ وُجِدَ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي.

ش - قَالَ الْآخَرُ، أَيِ الْمُجَوِّزُ الْقَائِلُ بِكَوْنِهِ حُجَّةً: لَوْ لَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً، لَأَدَّى إِلَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>