للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب هذا الامتزاج أن الرحم بطبعه شديد الاشتياق إلى مني الرجل حتى إنه يحصل له عند الجماع أن يعرض له الارتعاد ويتحرك إلى البروز للتوصل إلى مني الرجل لولا الأربطة المانعة من البروز، فإذا كان كذلك فهولا محالة يشتد جذبه لما حصل في داخله من مني الرجل. وإذا لاقى هذا المني جرم الرحم التذ به لا محالة كثيراً جداً بما فيه من السخونة والإدفاء المعتدلين وصار ذلك كماء معتدل السخونة صب على بدن قد برد، ومع هذا الالتذاذ الشديد لا بد من أن يحدث له تألم بما يحدثه ذلك المني بحدته من اللذع، وتفريق اتصال جرم الرحم فتختلط تلك اللذة الشديدة بهذا الألم فيشتاق لذلك الرحم إلى ما يزيل ذلك السبب المؤلم ومني المرأة رطب قليل الحرارة فلذلك يحتاج جرم الرحم إلى جذبه لدفع ذلك الألم فينجذب المنيان إلى سطح الرحم ويلزم ذلك شدة اختلاطها وجميع الأجسام التي في هذا العالم المختلفة الطبائع يحدث لها لا محالة تفاعل يؤدي إلى كيفية متوسطة بين تلك الطبائع المختلفة. وتلك الكيفية تسمى مزاجاً فلذلك لا بد من حدوث هذا المزاج عن اختلاط المنيين فيكون هذا المزاج قريباً جداً من الاعتدال لأجل تكافؤ قوى المنين في الخروج عن الاعتدال. فلذلك يستعد المركب حينئذٍ منهما لحصول صورة إنسانية وللتعلق بنفس إنسانية وإنما تنتع النفس بذلك إذا صار بدناً. فلذلك تحتاج تلك النفس الجاذبة إلى تكميل ذلك المجتمع من المنيين وذلك بأن يصير بدناً إنسانياً، وإنا يمكن ذلك لقوى تحدث له فيفعل فيه ذلك وهو في تلك الحال غير قابل لجميع القوى التي للإنسان فلذلك تقبض عليه من القوى ما يمكن قبولها أو لاً وتلك هي القوة الحيوانية فإن جميع أفعال الإنسان وقواه موقوفة على الحياة. والقوة الحيوانية إنما تقوم بروح حيواني فلذلك يحتاج هذا الممتزج أن يحدث فيه أو لاً روح حيواني وحدوث هذا الروح أسهل لا محالة من حدوث الأعضاء. فلذلك يحدث له أو لاً هذا الروح وذلك بأن يتبخر من ذلك المني لأجل تسخنه في الرحم أبخرة لطيفة وتلك الأبخرة هي لا محالة من أجزاء دموية قد كمل نضجها وتلطفت بالحرارة فلذلك هذه الأجزاء البخارية تخالط ما يكون في الرحم من الهواء الواصل بعضه من عنق الرحم بعضه من الشرايين النافذة في جرم الرحم، ويحدث من اختلاط ذلك جرم شديد الاستعداد للاستحالة إلى جوهر الروح فإذا نفذ من أرواح الأم شيء إلى داخل الرحم من أفواه الشرايين النافذة فيه أحاله ذلك الجرم روحاً. وتلك الروح يتصور بالقوى الحيوانية فلذلك يحدث لهذا المني أو لاً قوة حيوانية قائمة بروح حيواني وهذه القوة والروح محال أن يضيعا حينئذٍ وأن يتركا منيين في فضاء الرحم بل لا بد من نفوذهما حينئذٍ إلى داخل ذلك المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يجولا في وسطه فلا بد من أن يحدث لهما حينئذٍ مكان ينحصران فيه فلذلك يحدث لهما في المني تجويف ينحصران فيه وذلك التجويف إذا تم خلقته بعد ذلك الوقت كان هو البطن.

<<  <   >  >>