للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ الْحسن اللؤْلُؤِي يخْتَلف إِلَى الْمَأْمُون، يلقِي عَلَيْهِ الْفَرَائِض، فَدخل عَلَيْهِ لَيْلَة وَقد صلى الْعشَاء الْآخِرَة، فَجعل يلقِي عَلَيْهِ، ونعس الْمَأْمُون فأطبق جفْنه، فَقَالَ الْحسن: أنمت أَيهَا الْأَمِير؟ فَفتح عَيْنَيْهِ وَهُوَ إِذْ ذَاك صبي فَقَالَ: عَامي وَالله لم يغذ بالأدب، خُذُوا بِيَدِهِ وَلَا تعيدوه إِلَيّ. فَبلغ ذَلِك الرشيد، فتمثل بقول زُهَيْر: وَهل ينْبت الخطي إِلَّا وشيجه ... وتغرس إِلَّا فِي منابتها النّخل وَقَالَ لحاجبه: احجب عني من إِذا قعد أَطَالَ، وَإِذا سَأَلَ أحَال، وَلَا تستخفن بِذِي حُرْمَة، وَقدم أَبنَاء الدعْوَة. وَصعد يَوْمًا الْمِنْبَر وَقد شغب الْجند، ثمَّ سكنوا بعد إِيقَاع بهم، فَقَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على الْمَلَائِكَة المقربين، والأنبياء أَجْمَعِينَ. أما بعد، فقد كَانَ لكم ذَنْب، وَكَانَ لنا عتب، وَكَانَ مِنْكُم اصطلام، وَكَانَ منا انتقام، وَعِنْدِي بعد هَذَا التَّنْفِيس عَن المكروبين، والتفريج عَن المغمومين، وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُحْسِنِينَ، والتغمد لإساءة المسيئين، وَألا يكفر لكم بلَاء، وَلَا يحبس عَنْكُم عَطاء، وَعلي بذلك الْوَفَاء إِن شَاءَ الله. ثمَّ نزل. قَالَ سعيد بن سلم: كَانَ فهم الرشيد فهم الْعلمَاء. أنْشدهُ الْعمانِي فِي صفة الْفرس: كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا ... قادمة أَو قَلما محرفا فَقَالَ الرشيد: دع كَأَن، وَقل: تخال أُذُنَيْهِ حَتَّى يَسْتَوِي الشّعْر.

<<  <  ج: ص:  >  >>