للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتملك عَلَيْهِ أمره، وَهِي أقبح من السحر، وأسمج من القرد، وأهر من الْكَلْب، وَأَشد تَعَديا من اللَّيْث العادي، فيريد شِرَاء جَارِيَة أَو تزوج حرَّة، فَلَا يقدر على ذَلِك لمكانها، حَتَّى يستريح إِلَى مثل هَذَا من الفتيان ويغشى منزل أَمْثَاله من الْأَحْرَار، فَيَجْعَلهُ سكنه، وَينزل بِهِ مهمه، فيساعده على حَاجته، وَيسْعَى لَهُ فِيمَا يحب من لذته، ويستره بمنزله. اكتبوا فِي اطلاقه وَالسُّؤَال عَن حَاله فَإِن كَانَ كَمَا ذكر عَنهُ من السّتْر وَكَانَ صَادِقا فِيمَا حكى عَن نَفسه مَا الْفِعْل أَمِين على مروءته باكف وينار وأومن من رَوْعَته وَعرف مَا امرنا بِهِ فِيهِ. فَقَالَ الْجَمِيع: سدد الله رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ ووفقه. وعاتبته أم جَعْفَر فِي تقريظه لِلْمَأْمُونِ، دون مُحَمَّد ابْنهَا، فَدَعَا خادماًبحضرته، وَقَالَ لَهُ: وَجه إِلَى مُحَمَّد وَعبد الله خادمين حصيفين يَقُولَانِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا على الْخلْوَة: مَا يفعل بِهِ إِذا أفضت الْخلَافَة إِلَيْهِ؟ ، فَأَما مُحَمَّد فَإِنَّهُ قَالَ للخادم: أقطعك وَأُعْطِيك، وأقدمك. وَأما الْمَأْمُون فَإِنَّهُ رمى الْخَادِم بِدَوَاةٍ كَانَت بَين يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا بن اللخناء، أتسألني عَمَّا أفعل بك يَوْم يَمُوت أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَخَلِيفَة رب الْعَالمين؟ إِنِّي لأرجو أَن نَكُون جَمِيعًا فداءاً لَهُ. فَرَجَعَا بالْخبر، فَقَالَ الرشيد لأم جَعْفَر: كبف تَرين؟ مَا أقدم ابْنك إِلَّا مُتَابعَة لرأيك، وتركاً للحزم. وسايره يَوْمًا عبد الْملك بن صَالح، فَقَامَ رجل، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، طأطئ من إشرافه، وَاشْدُدْ شكائمه، وَإِلَّا أفسد عَلَيْك ملكك، فَقَالَ الرشيد: يَا عبد الْملك، مَا هَذَا؟ قَالَ: حَاسِد نعْمَة، ونافس رُتْبَة أغضبهُ، رضاك عني وباعده قربك مني، وساءه إحسانك إِلَيّ. فَقَالَ الرشيد: انخفض الْقَوْم وعلوتهم، فتوقدت فِي قُلُوبهم جَمْرَة التأسف، فَقَالَ عبد الْملك: أضرمها الله بالتزيد عنْدك، فَقَالَ: هَذَا لَك وَهَذَا لَهُم. وأنشده إِسْحَاق الْموصِلِي مدحاً لَهُ، فقالك لله در أبياتٍ تجيئ بهَا مَا أحكم أُصُولهَا، وَأحسن فصولها، وَأَقل فضولها فَقَالَ إِسْحَاق: هَذَا الْكَلَام أحسن من شعري.

<<  <  ج: ص:  >  >>