للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبا (١).

(١) قوله رحمه الله: فإن لم ير بعد ثلاثين صحوًا كُذِّبا، اعتمد فيه على ما روى ابن نافع في المجموعة عن مالك في شاهدين شهدا على هلال شعبان، فعد لذلك ثلاثون يومًا والسماء صاحية فلم ير، قال: هذان شاهدا سوء. واعتبر الباجي هذه الكلمة ردًا لشهادة الشاهدين، واستدل بذلك على أن الشهادة والحكم على شوال بعد ذلك، حكم واحد بالنسبة للأول. قال: وهذا يدل على أن الحكم واحد ولو كانا حكمين؛ لما كان في ذلك تكذيب للشاهدين. وبالله التوفيق. ا. هـ. انظره جـ ٢ - ص ٣٦.

وذكر الحطاب على المختصر هذه الرواية عن ابن نافع وقال: هو في سماع أشهب، ثم قال: ولم أقف على هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب الصيام. ولا من كتاب الأقضية. ولا من كتاب الشهادات، ولعلها من سماعه في غير هذا الكتاب. ا. هـ. منه. جـ ٢ - ص ٣٨٣.

قلت: والذي يظهر لي، والله تعالى أعلم، أن الصواب في هذه المسألة مع الإِمام الشافعي. قال الدسوقي في حاشيته على الدردير: الشافعي يقول: لا يكذب العدلان ويعمل في الفطر على رؤيتهما أولًا. ا. هـ. منه.

واعتمادي في ذلك على الله تعالى، ثم على أن شهادة الشاهدين التي اعتبرت أولًا وثبت بها رمضان إنما تحصل ظنًا بذلك الحكم، الذي تحتم بموجبه على المسلمين صوم اليوم الأول على أنه من رمضان، ووجب عليهم بموجبه إفطار اليوم الحادي والثلاثين بالنسبة لذلك اليوم إن لم ير الهلال قبل ذلك، على أنه يوم الفطر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ". فإن حكمنا بكذب هذين الشاهدين، بناءًا على أننا لم نر الهلال ليلة الحادي والثلاثين، من رؤيتهما لهلال رمضان، كان حكمنا ذلك مبنيًا على ظن أيضًا، لاحتمال كونه في السَّماء ولم نره لعائق ما؛ من دقته مثلًا، والأهلة ليست بمقدار؛ فإن منها الكبير ومنها الدقيق جدًّا. ولتغير مطالعه؛ فربما حالت تضاريس أرضية دون رؤية هلال شوال لطلوعه خلفها، إلى غير ذلك من العوائق.

وإذا ثبت أن صومنا بشهادتهما أولًا كان حكَمًا ظنيًا، وأن حكمنا عليهما في ثاني حال كان ظنيًا أيضًا، فكيف يسوغ نقض الظن بالظن؟. علمًا بأنه سوف يترتب على تكذيبهما إبطال عمل المسلمين يومًا على الأقل، وحملهم على صوم يوم وجب عليهم فطره، باعتباره يوم العيد، فعدم صومه إذًا مقدم =

<<  <  ج: ص:  >  >>