للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

= والله تعالى يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} (١) فأمر الله بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع شيئين؛ محاربة وسعيًا في الأرض فسادًا، ولم يخص شريفًا من وضيع، ولا رفيعًا من دنِيء. ا. هـ. منه.

تنبيهٌ: اختلف العُلماء في وقت صلب المحارب حسبما يقتضيه قوله تعالى: {أَوْ يُصَلَّبُوا}. فقد قال مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، والأوزاعي، والليث قالوا: يصلب حيًا ثم يقتل مصلوبًا. يطعن بالحربة، لأن الصلب عقوبة، وإنما يعاقب الحي لا الميت، ولأنه جزاء على المحاربة فيشرع في الحياة كسائر العقوبات. وخالف الشافعي، فقال: يصلب بعد القتل، قال ابن قدامة: لأن الله تعالى قدم القتل على الصلب لفظًا، والترتيب بينهما ثابت بغير خلاف، قال: ولأن القتل إذا أطلق في لسان الشرع كان بالسيف. قال: وصلبه حيًا تعذيب له، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن تعذيب الحيوان.

(٥) وقوله: وسقط حدها بإتيان الإِمام طائعًا، أو بترك ما هو عليه، قال القرطبي: فإن تابوا وجاؤوا تائبين، لم يكن للإِمام عليهم سبيل، وسقط عنهم ما كان حدًا لله تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين، فيقتص منهم من النفس والجراح، وكان عليهم ما أتلفوه من مال ودم لأوليائه في ذلك، ويجوز لهم العفو والهبة كسائر الجناة من غير المحاربين، هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. قال: وإنما أخذ ما بأيديهم من الأموال وضمنوا قيمة ما استهلكوا، لأن ذلك غصب فلا يجوز ملكه لهم، ويصرف إلى أربابه أو يوقفه الإِمام عنده حتى يعلم صاحبه.

وقال قوم من الصحابة والتابعين: لا يطالب به من المال إلا بما وجد عنده، أما ما استهلكه فلا يطالب به. وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه، وهو الظاهر من فعل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بحارثة بن بدر الغُدَنيّ فإنه كان محاربًا ثم تاب قبل القدرة عليه، فكتب له بسقوط الأموال والدم عنه كتابًا منشورًا. وقال ابن خويزمنداد: واختلفت الرِّواية عن مالك في المحارب إذا أقيم عليه الحد ولم يوجد له مال، هل يتبع دينًا بما أخذ أو يسقط عنه كما يسقط عن السارق؟ قال: والمسلم والذميّ في ذلك سواء. ا. هـ.

وقال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنهم إن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقطت عنهم =


(١) سورة المائدة: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>