للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وروي عن مالك أيضًا: ينفى من البلد الذي أحدث فيه هذا إلى غيره ويحبس فيه كالزاني. وقال مالك أيضًا والكوفيون: نفيهم سجنهم؛ فينفوا من سعة الدنيا إلى ضيقها، فصار كأنه إذا سجن فقد نفي من الأرض إلا من موضع استقراره، واحتجوا بقول بعض أهل السجون في ذلك:

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها … فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

إذا جاءنا السجان يومًا لحاجة … عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا

وحكى مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من حبس في السجون وقال: أحبسه حتى أعلم منه التوبة، ولا أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيهم.

والظاهر أن الأرض في الآية هي أرض النازلة، وقد تجنب الناس قديمًا الأرض التي أصابوا فيها الذنوب، ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة. قال: وينبغي للإِمام، إن كان هذا المحارب مخوف الجانب يظن أنه يعود إلى حرابة أو إفساد، أن يسجنه في البلد الذي يغرب إليه، وإن كان غير مخوف الجانب فظن أنه لا يعود إلى جناية سرح، قال ابن عطية: وهذا صريح مذهب مالك: أن يغرب ويسجن حيث يغرب، وهذا على الأغلب في أنه مخوف، ورجحه الطبري وهو الواضح لأن نفيه من أرض النازلة هو نص الآية. وسجنه بعدُ، بحسب الخوف منه، فإن تَاب وفهمت حاله سرح. قال: وأصل النفي لغة الإِهلاك، ومنه الإِثبات والنفي، ومنه اشتقت النفاية لرديء المتاع، والنَّفِيُّ لما تطاير من الماء عن الدلو. قال الراجز:

كأن متْنيْه من النَّفِيِّ … مواقعُ الطيْر على الصُّفِّيِّ ا. هـ. منه.

(٣) وقوله: أو تقطع يمينه ورجله اليسرى ولاءً قال ابن قدامة: تقطع يده اليمنى للمعنى الذي تقطع به يمنى السارق، ثم تقطع رجله اليسرى لتحقق المخالفة، فهذا معنى قوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ}. فإنه أرفق به في إمكان مشيه، قال: ولا ينظر اندمال اليد في قطع الرجل، بل يقطعان معًا، يبدأ بيمينه فتقطع وتحسم، ثم برجله؛ لأن الله تعالى بدأ بذكر الأيدي، قال: ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل، إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين. ا. هـ. منه بتصرف.

مسألة: قال الخرقي: ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله. قال ابن قدامة: وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>