٣ - فإن كان ولابد من اتخاذ واقع المسلمين دليلا على دينهم فلماذا لا تتخذون واقعهم الحضاري الذي هرعت إلى بلاطه، وبلاده، وفود ملوك الغرب ووفود علمائه وطلابه؟
فقد كان عبد الرحمن الناصر تمد أمم النصرانية له يد الإذعان، وأوفدوا عليه
رسلهم، وهداياهم من رومة والقسططنية في سبيل المهادنة والسلم والعمل فيما يمكن لمرضاته، وجاءته وفود علية الملوك المتاخمين لبلاد المسلمين يقبلون يده ويلتمسون رضاه، حتى إن صاحب (نفح الطب) يقول: ولم تبق أمة سمعت به من ملوك الروم والفرنجة والمجوس وسائر الأمم إلا وفدت عليه خاضعة راغبة، وانصرفت عنه راضية.
كما يقرر (ول ديورانت) أن منافذ حضارة المسلمين إلى أوربا، والتي أخرجتها من ظلمات العصور الوسطى، كانت ستة منافذ: عن طريق التجارة، والحروب الصليبية، وعن آلاف الكتب التي ترجمت من اللغة العريية إلى اللاتينية، وعن الزيارات التي قام بها العلماء أمثال (جربرت)
وغيره إلى الأندلس الإسلامية، ومن الشباب المسيحيين الذين أرسلهم آباؤهم الأسبان إلى بلاط الأمراء المسلمين ليتربوا فيها، ومن الاتصال الدائم بين المسيحين والمسلمين في بلاد الشام ومصر وصقلية وأسبانيا
يقول (ول ديورانت) : لقد كان للعالم الإسلامي أثر بالغ
مختلف الأنواع، لقد تلقت أوربا من بلاد الإسلام الطعام والشراب، والعقاقير، والأسلحة، وشارات الدروع، والتحف والمصنوعات. . . والتشريعات. . . وأخذت عن المسلمين أسماء هذا كله، حتى الموسيقى والشعر والآداب. . ولا تزال المصطلحات العلمية العربية تملأ اللغات الأوربية. . وظل أطباء العرب يحملون لواء الطب في العالم خمسمائة عام كاملة.