ينكرهما معا؟
ثم هل هو ينكر الإرادة في المادة والكون، وها هو ذا العلم يقرها بعد
عصر الجحود، أم هذا السائل ينكر الإرادة في الإنسان فقط؟
وهل هو ينكر على الإسلام فقط أم على كل الأديان؟
* * *
[٥ - مسألة القدر والاختيار من أقدم مسائل الفكر، ومن أوغل مسائل الإيمان في كل الأديان.]
وكانت من مسائل (العلم) الطبيعي تحت عنوان: (الحتمية في المادة) بمعنى
أن أجرام الكون تسير بقوانين معلومة، يمكن من دراستها معرفة النتائج، وهذه النتائج (حتمية) لا يمكن تخلفها.
ثم جاءت علوم الذرة فنقضت فكرة الحتمية أو على الأقل جزمت بأن (الحتمية) ليست التفسير الوحيد للكون.
وليس معنى نتائج بحوث الذرة أن الكون يسير على غير نظام وإنما معنى هذه
النتائج أن النظام لا يمنع الاختيار، ولا يغلق الباب على الإيمان.
بل إن العلماء الماديين أخذوا من وجود النظام دليلا على وجود المنظم المختار، ومن المحال - كما قالوا: أن يكون ذلك النظام بمحض المصادفة.
وصار (العلم) يدعو إلى الإيمان بعدما قضى دهرا يدعو إلى الإلحاد، وكتب
(ا. كريس موريسون) كتابه: (العلم يدعو إلى الإيمان)
وكتبت نخبة من العلماء الأمريكين كتابهم (الله يتجلى في عصر العلم) .
وأشرف على تحريره (جون كلوفر مونسما) .
٦ - وعلى هذه الحقائق العلمية ثبتت مسألة القدر والاختيار في ذاتها والقرآن جمع بين المعنيين الصحيحين في هذه المسألة فقال في سورة النحل
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) .
أول الآية تلمح للقدر، وختامها يقرر مسئولية الإنسان، وأن مصيره مرتهن بعمله، فتطابق في القرآن القول بالقدر والمشيئة كما قررها العلم في الكون.
ولهذا رفض القرآن احتجاج الإنسان المقصر في الإيمان
والعمل بالقدر في أربعة مواضع منه: في سورة الأنعام / ٢٤٨ - ١٥٠
وفي سورة النحل /٣٥ وفي سورة يس /٤٧. وفي سورة الزخرف / ٢٠.