هؤلاء أعلامنا وأعلام القرآن، فتعال نقف عند بعض وصاياه وأحواله مع القرآن.
أولاً: كان يعلم أصحابه كيف يقرءون القرآن ويحفظونه، روى عنه أبو نعيم أنه كان يقول: تعلموا القرآن خمس آيات؛ فإنه أحفظ لكم، وإن جبريل كان ينزل به خمس آيات خمس آيات.
وهذا منهج تعليمي تربوي.
ثانياً: وكان مع اهتمامه بالقرآن مهتماً بالصلاة وإقامتها؛ لأنها عمود الإسلام، وكان من شدة اهتمامه بها أنه يزن بها الناس.
روى عنه أبو نعيم أنه قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه -أي: ليسمع منه الحديث- فأتفقد صلاته، فإن وجدته يحسنها أقمت عليه -أي: سمعت منه العلم والحديث- وإن أجده يضيعها رحلت عنه ولم أسمع منه، وقلت: هو لما سواها أضيع.
أرأيت الميزان الذي يزن به الرجال! إن الصلاة لميزان صحيح دقيق للرجال، حتى إنه يميز بين المنافقين وغير المنافقين، فكيف بالكفار وغيرهم! وكم من رجل يقال له: ما أعظمه، وما أذكاه، وما أبصره بالأمور! وغيرها من صفات المدح، ثم تفتش عنه فتجده لا يعرف المساجد.
رابعاً: ولقد أوصى بلزوم القرآن وتعاهده، ونهى في مقابل ذلك عن الأهواء والبدع، روي عنه رحمه الله تعالى أنه قال: تعلموا القرآن، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وإياكم وهذه الأهواء فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم، ولا تحيدوا عن الأمر الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما نقل هذا إلى الحسن البصري قال: لقد نصحكم أبو العالية والله وصدقكم.
وكان أيضاً يربي أصحابه على القرآن ويعلمهم حقائقه في جوانب الحياة كلها، فقد روي عنه أنه قال لأصحابه: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتاب الله:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن:١١]، وأن من توكل على الله كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله:{َمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣]، وأن من أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}[البقرة:٢٤٥]، وأن من استجاره من عذابه أجاره، وتصديق ذلك:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}[آل عمران:١٠٣]، وأن من دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:١٨٦].
هذه هي الأصول التربوية في حياة الإنسان وحياة الأمة تستنبط من القرآن، وهكذا كانت أمة الإسلام تربي وتعلم على ضوء القرآن، فكان من أمرهم ما كان.