فضيلة الشيخ! كثر في الوقت الحاضر تنافس البنوك والشركات على التقسيط المريح كما زعموا مما أثقل الكثيرين بالديون لغير حاجة، وهذه البنوك بعضها لا يملك تلك السلعة، ولكن يطلب منك تحديد المطلوب ثم يشتريه أو يحضره بشرط أن تفتح عنده حساباً جارياً، وتضع راتبك الشهري عنده لضمان حقه فما الحكم وما التوجيه؟
الجواب
التوجيه أن هذه مصيبة، أعني أن تسهيل الاستدانة ضرر لا سيما على الشباب، تجد الشاب صغيراً ومع ذلك عليه ديون كثيرة؛ لأنه سهل له الطريق، والدين أمره عظيم:(سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة هل تكفر الذنوب؟ قال: نعم، ثم لما ولى الرجل دعاه وقال: إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفاً) .
وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدم عليه الميت لا يصلي عليه إذا كان عليه دين لا وفاء له، حتى قدم إليه رجل من الأنصار فخطى خطوات ليصلي عليه، ثم سأل:(هل عليه دين؟ قالوا: نعم، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فقال أبو قتادة رضي الله عنه:(يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال: حقَّ الغريم وبرئ من الميت؟ قال: نعم، فتقدم وصلى) ثم إنه جاء في حديث وإن كان ضعيفاً: (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فلماذا يا أخي تثقل ذمتك بالديون وأنت في غنىً عنها؟ تجد الرجل يستدين ليشتري سيارة بقيمة سبعين ألفاً وهو يستطيع أن يشتري سيارة بثلاثين ألفاً، وهذا خطأ عظيم، نسأل الله أن يهدي الشباب وغير الشباب للمحافظة على براءة الذمة.
أما بالنسبة للمعاملة التي ذكرها السائل أن الرجل يختار سيارة معينة، ويأتي إلى التاجر سواءً البنك أو غير البنك ويقول: أنا أريد السيارة الفلانية وأنا ليس عندي نقود، فيقول له: أنا أشتريها وأبيعها منك بالتقسيط، هذا حرام، وهو حيلة لا إشكال فيها، وحيلة قريبة، لو كان الربا العظيم الذي رتب الله عليه من العقوبة ما لم يرتب على ذنب غيره سوى الشرك؛ لو كان يحل بهذه الطريقة وهذه الخديعة ما حرم ربا أبداً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(قاتل الله اليهود لما حرمت عليهم الشحوم أذابوها، ثم باعوها وأكلوا ثمنها) لو تأملت هذه الحيلة التي قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها: (قاتل الله اليهود) لوجدتها أبعد عن الحرام من هذه الحيلة التي ذكرها السائل.
ولا تغتر أيها المسلم بمن يفتي بالجواز؛ لأن هذه بمجرد ما يتأملها الإنسان يعرف أنها حرام، ثم قولهم: لو أن الذي طلب شراءها تركها بعد شراء البنك أو التاجر لها لقبل منه أن يترك، نقول: هذا كلام ليس له معنى، رجل جاء وعين السيارة التي يريدها ليس هو بتارك، لكن فرض أن يكون تركها إنما هو: من أجل أن يلقوا القش حتى لا يقال: إن هذه حيلة على الربا، ولكن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، احذر يا أخي المسلم من هذه المعاملة، إنها أشد جرماً من أن يقول البنك: خذ خمسين ألفاً واشتر السيارة وهي عليك بستين ألفاً مقسطة، هذه حرام ليس عليها إشكال، والصورة التي ذكرها السائل أخبث، لأنها جمعت مفسدة الربا ومفسدة الحيلة والخداع.