وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: ٢٦] ، فِيهِ سِتَّةُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى هُوَ الْإِيمَانُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَالرَّابِعُ: هُوَ خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ الْحَيَاءُ وَهَذَا قَوْلُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ.
وَالسَّادِسُ: هُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ خَيْرٌ فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى، ثُمَّ قَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ، أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ خَيْرٌ كُلُّهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى لِبَاسِ التَّقْوَى وَمَعْنَى الْكَلَامِ، وَإِنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى خَيْرٌ مِنْ الرِّيَاشِ وَاللِّبَاسِ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ. فَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ اللِّبَاسِ وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ عُلِمَ أَنَّهُ مَعُونَةٌ مِنْهُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي اللِّبَاسِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا دَفْعُ الْأَذَى. وَالثَّانِي: سَتْرُ الْعَوْرَةِ.
وَالثَّالِثُ: الْجَمَالُ وَالزِّينَةُ. فَأَمَّا دَفْعُ الْأَذَى بِهِ فَوَاجِبٌ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ دَفْعَ الْمَضَارِّ وَاجْتِلَابَ الْمَنَافِعِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: ٨١] .
فَأَخْبَرَ بِحَالِهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا اكْتِفَاءً بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ، وَاسْتِغْنَاءً بِمَا يَبْعَثُ عَلَيْهِ الطَّبْعُ. وَيَعْنِي بِالظِّلَالِ الشَّجَرَ وَبِالْأَكْنَانِ جَمْعِ كِنٍّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَكَنُ فِيهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ ثِيَابَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ، وَبِقَوْلِهِ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ الدُّرُوعَ الَّتِي تَقِي الْبَأْسَ وَهُوَ الْحَرْبُ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: تَقِيهِمْ الْحَرَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَرْدَ، وَقَالَ: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَلَمْ يَذْكُرْ السَّهْلَ، فَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَصْحَابَ جِبَالٍ وَخِيَامٍ فَذَكَرَ لَهُمْ الْجِبَالَ وَكَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ دُونَ بَرْدٍ فَذَكَرَ لَهُمْ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ