الرّزق مقسوم فأجمل في الطّلب ... يأتي بأسباب ومن غير سبب
فاسترزق الله ففي الله غنى ... الله خير لك من أب حدب
فركب المتوكّل في ذلك اليوم، وجعل يطوف على الحجر، ومعه الفتح بن خاقان، حتّى وقف على البيتين، وقال: من كتب هذا؟ وقرأهما الفتح له، فاستحسهما، وقال:
من كان في هذه الحجرة؟ فقيل: الكستجيّ، فقال: أغفلنا وأسأنا إليه، فأمر لي ببدرتين.
وقال محمد بن مخلد الكاتب: لزمت أبا الحسن عليّ بن محمد بن الفرات. أغدو وأروح إلى بابه، لا أحظى بطائل، ولا أصل إلى تصريف ولا نائل، حتى كرهت نفسي، فرأيت هاتفا في المنام يقول لي: [الرجز]
يا أيّها المكثر في المطالب: ... اهجر تصاريف المنى الكواذب
إذا أتى وقت القضاء الغالب ... بادرت الحاجة كف الطالب
فتركت المسير إليه، فلم يمض لي أسبوع حتى تقلّد حامد بن العباس الوزارة، فقلّدني كتابته، فثابت حالي.
***
قال الحارث بن همّام: فهمنا لبراعة عبارتها، وملح استعارتها، وقلنا لها:
قد فتن كلامك، فكيف إلحامك! فقالت: أفجّر الصّخر، ولا فخر، فقلنا: إن جعلتنا من رواتك، لم نبخل بمواساتك، فقالت: لأرينّكم أوّلا شعاري، ثمّ لأروّينكم أشعاري. فأبرزت ردن درع دريس، وبرزت برزة عجوز دردبيس، وأنشدت تقول: [السريع]
أشكو إلى الله اشتكاء المريض ... ريب الزّمان المتعدّي البغيض
يا قوم إني من أناس غنوا ... دهرا وجفن الدّهر عنهم غضيض
فخارهم ليس له دافع ... وصيتهم بين الورى مستفيض
كانوا إذا ما نجعة أعوزت ... في السّنة الشّهباء روضا أريض
تشبّ للسّارين نيرانهم ... ويطعمون الضيف لحما غريض
ما بات جار لهم ساغبا ... ولا لروع قال: حال الجريض
***
قوله «همنا»، أي تحيّرنا. البراعة: الفصاحة. عبارتها: سياق كلامها. ملح استعارتها، يريد ما استعارته من تسمية الأشخاص بأسماء الأعضاء. إلحامك: نسجك الشعر. يفجّر الصّخر، أي يخرج من الحجر الماء، ومن البخيل العطاء. مواساتك: