للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأس كريق الإلف شعشعها به ... وعيشي من هذا الشّراب المشعشع

إذا ما شربنا كأسنا صبّ فضلها ... على روضنا للمسمع المتخلّع

وقال ابن الرومي: [الطويل]

وأذّكى نسيم الروض ريعان ظلّه ... وغنّي مغنّي الطير فيه فرجّعا

وكانت أهازيج الذباب هنا كم ... على شدوات الطير صوتا موقّعا

وكان أبوه قريب بخلافه، كان نذلا خسيسا، وكان عطاء الملك أتى بجماعة من البصرة إلى قريب فوجدوه ملتفّا بكساء، نائما للشمس، فوكزه برجله، وصاح به: قم يا قريب ويلك! قال: ألقيت أحدا من أهل العلم قطّ أو من أهل اللغة أو الفقهاء أو من المحدّثين؟ قال: لا والله، قال لمن حضر: اشهدوا على ما سمعتم، لا يقول لكم غدا الأصمعيّ أو بعد غد: أنشدني والدي أو حدّثني؛ ففضحه.

***

ومن حكاياته عن أبيه قال الأصمعيّ: حدثني أبي قال: أتي عبد الملك بن مروان برجل مع بعض من خرج عليه، فقال: اضربوا عنقه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا جزائي منك، قال: وما جزاؤك؟ قال: والله ما خرجت مع فلان إلّا بالتطيّر لك، وذلك أتى رجل مشئوم، ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم، وقد بان لك صحة ما ادّعيت به، وكنت عليك خيرا لك من مائة ألف معك. فضحك منه وخلّى سبيله.

وكان للأصمعيّ بن ظريف، فقيل له يوما: أين أبوك؟ فقال: في بيته يكذب على الأعراب.

ومرض الأصمعيّ فعاده أبو ربيعة- وكان يحب أهل الأدب- فقال له: أقرضني خمسة آلاف درهم، ففعل، وقال: أتشتهي غير هذا؟ فقال: نعم، فصّا حسنا، وسيفا قاطعا، وبرذونا حسنا وسرجا محلّى، فبعث بذلك إليه.

وكان إسحاق الموصلي يعظّمه ويقرأ عليه، فدخل الأصمعيّ يوما على الفضل بن يحيى وإسحاق ينشده في صفة فرس: [الرجز]

كأنّه في الجلّ وهو سام ... مشتمل جاء من الحمام

يسور بين السّرج واللجام ... سور القطامي إلى الحمّام

فقال الأصمعيّ: هات بقيّتها، فقال له إسحاق: ألم تقل لي: ما بقي منها شيء فقال: ما بقي إلّا عيونها. ثم أنشد بعد ذلك ثلاثين بيتا، فغضب إسحاق وعرّف الفضل قلّة شكره لعارفة، وبخله بما عنده، وأخذ يصف فضل أبي عبيدة ونزاهته، وبذله لما عنده، واشتماله على علوم العرب، فأنفذ إليه الفضل مالا جليلا، واستقدمه من البصرة، وسعى بالأصمعيّ عند الرشيد؛ حتى حطّ منزلته. وقال إسحاق يهجوه: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>