للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصيام يقوي إرادة المؤمن ويقرب قلبه من بارئه سبحانه، ويقوي صلته بربه جل في علاه، ويشحذ من عزيمته ويحث على التراحم والود وحسن الصلة بين الصائم وإخوانه المؤمنين، كل ذلك لما له من آثار طيِّبة تربوية وإيمانية وأخلاقية وسلوكية على الفرد المسلم والجماعة المسلمة على حدٍّ سواء مع ما فيه من الترغيب في مجاهدة النفس وكبح لجماحها عن شهواتها، وتزكية لها من أدرانها، وتصفية لها وتنقية لما علق بها من شوائب، مع ما يرغب فيه من الحثّ على اكتساب الفضائل، واجتناب الغوائل والرذائل، ولذا كان من ثمار الصيام وأثره على النفس ما يجده المؤمن من رقة في قلبه وصلاحٍ في نفسه وتهذيبٍ لسمعه وبصره ومنطقه ولفظه وفعله، وتربية نفسه على مراقبة الله وخشيته في علانيته وسره، والمداومة على محاسبة نفسه، وتهذيبٍ لجميع جوارحه، لم لا؟ فالصَّوم مدرسة لتهذيب الأخلاق وتقوية لإرادة المؤمن وتهيئته للتضحية والبذل والسخاء والعطاء لله تعالى، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدور، وطمأنينة القلوب، وهدوء النفوس.

ويقول رشيد رضا: «هذا تعليل لكتابة الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا» (١).

يقول ابن القيم: «المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تركِّز به ما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكِّر بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتُحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يفيدها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها، وكل قوة عن جماحه، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وَجُنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين. وهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها؛ إيثارًا لمحبة الله ومرضاته. وله تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها من التخليط الجالب لها المواد الفاسدة،


(١) تفسير المنار (٢/ ١١٧).

<<  <   >  >>