للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: ما زلت تضربهم ضرباً في إثر ضرب، متوالياً من دون أن يتخللها، فكأنك تضربهم بسيفين.

وقيل: ما زلت تضربهم ضربةً تعمل عمل ضربتين. يعني: كأن السيف الواحد سيفان، والهاء في فيه راجع إلى الضرب.

خصّ الجماجم والوجوه كأنّما ... جاءت إليك جسومهم بأمان

خص السيف، أو الضرب رءوسهم ووجوههم دون أجسامهم، حتى كأنك أعطيت أجسامهم أمانك ألا تمسها بضرب.

فرموا بما يرمون عنه وأدبروا ... يطئون كلّ حنيّةٍ مرنان

روى يطئون من الوطء بالرجل، وروى: يطوون من طويته. والحنية: القوس. والمرنان: الكثير الرنة. وما يرمون عنه: هو القسي التي كانوا يرمون عنها.

يقول: رموا قسيهم وانهزموا يطئون قسيهم المطوية عند الرمي.

يغشاهم مطر السّحاب مفصّلاً ... بمهنّدٍ ومثقّفٍ وسنان

قيل: أراد بالمطر: المطر الحقيقي. والمعنى: أصابهم المطر النازل من السحاب، مفصلاً بالسيوف والرماح، كما يفصل العقد بالدر والذهب.

يعني: كما هزمهم السلاح هزمهم أيضاً المطر.

وقال ابن جني: أراد بالسحاب: جيش سيف الدولة. شبهه بالسحاب لكثافته، ولما جعله سحاباً جعل مطره الرماح والسيوف.

حرموا الّذي أملوا وأدرك منهم ... آماله من عاد بالحرمان

يقول: حرموا ما كانوا يؤملونه من الظفر بك، وانهزموا، فمن كان منهم محروماً من أمله الأول أدرك أمله الثاني، من العود إلى أهله، والسلامة من القتل والأسر، وهذا مثل قولهم: من نجا برأسه فقد ربح.

وإذا الرّماح شغلن مهجة ثائرٍ ... شغلته مهجته عن الإخوان

يقول: إنهم جاءوا يطلبون بثأر من قتلت منهم، فلما وقعت الرماح في قلوبهم اشتغلوا بأنفسهم ونسوا إخوانهم الذين يطلبون ثأرهم. وهذا من قول الله تعالى " لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ".

هيهات! عاق عن العواد قواضبٌ ... كثر القتيل بها وقلّ العاني

العواد: الرجوع، وهو مصدر عاود يعاود معاودةً وعواداً وهي ها هنا من: عاود. وروى مكانه: الرجوع والعاني: الأسير.

المعنى كما قال: وأدرك منهم آماله من عاد بالحرمان فقال: ما أبعد عليهم الرجوع! وقد عاقهم عن ذلك سيوفك التي كثرت القتل فيهم، فكان من قتل منهم أكثر ممن أسر.

ومهذّبٌ أمر المنايا فيهم ... فأطعنه في طاعة الرّحمن

ومهذب: هو سيف الدولة، عطف على قواضب.

يقول: منعهم عن الرجوع إلى ديارهم رجل مهذب صفي من كل عيب، أمر الموت بقبض أرواحهم فأطاعه الموت في طاعة الله تعالى؛ لأن قتلهم طاعةً، وفيه رضى الله تعالى.

قد سوّدت شجر الجبال شعورهم ... فكأنّ فيه مسفّة الغربان

الهاء في فيه للشجر. والمسفة: الدانية من الأرض.

يقول: إن شعورهم سودت أشجار الجبال؛ لأنها متعلقة بها، فكأن عمومها الأشجار، غربان دانية من الأرض، واقفة على الأشجار.

وجرى على الورق النّجيع القاني ... فكأنّه النّارنج في الأغصان

يقول: جرى دمهم على الأوراق، فثمرت به، فأشبه الدم عليها، النارنج على الأغصان.

والمعنى: أن الشعور تعلقت بالشجرة فأشبهت الغربان على الأشجار، والدماء تطايرت فخضبت ورق الأغصان.

إنّ السّيوف مع الّذين قلوبهم ... كقلوبهنّ إذا التقى الجمعان

يقول: إن السيوف، إنما تعمل إذا كانت مع الشجعان الذين قلوبهم في المضاء كقلوب هذه السيوف عند اجتماع الجيشين.

تلقى الحسام على جراءة حدّه ... مثل الجبان بكفّ كلّ جبان

التاء: للخطاب، ومعناه: تلقى أيها السامع السيف القاطع مع جراءته في الحد، غير عامل، إذا كان في يدي الجبان، حتى كأنه جبان مثله.

وقيل: التاء ضمير السيوف.

يعني: أن السيوف التي في أيدي أصحاب سيف الدولة، الذين قلوبهم كقلوبها، تلقى سيوف الروم - مع جراءة حدها - غير قاطعة، فكأنها جبان مثل أصحابها الحاملين لها، وجبن السيوف: قلة المضاء.

رفعت بك العرب العماد وصيّرت ... قمم الملوك مواقد النّيران

العماد: عماد البيت، ويعبر به عن الشرف؛ لأن الرجل إذا كان شريفاً، كان عماد بيته رفيعاً. ومنه يقال في المدح: هو رفيع العماد، أي شريف، كثير الرماد. والقمم: جمع قمة، وهي وسط الرأس.

يقول: إن العرب تشرفت بك، وقتلت الملوك، فجعلوا هامهم أثافي لقدورهم.

<<  <   >  >>