للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنساب فخرهم إليك وإنّما ... أنساب أصلهم إلى عدنان

عدنان: أبو العرب كلها.

يقول: العرب تنتسب إليك من حيث الفخر، وتنتسب إلى عدنان من جهة النسب: فكما أن عدنان أصل نسبها، فإنك أصل فخرها وشرفها.

يا من يقتّل من أراد بسيفه ... أصبحت من قتلاك بالإحسان

يقول: أنت تعم الناس بالقتل، فتقتل الأعداء بسيفك، والأولياء بإحسانك؛ من حيث الاستعباد، وأنا من جملة قتلى إحسانك.

فإذا رأيتك حار دونك ناظري ... وإذا مدحتك حار فيك لساني

يقول: إذا رأيتك تحير ناظري دونك، فلا يمكنني أن أنظر إليك ملء عيني؛ لهيبتك، وكثرة مآثرك، وإذا أردت مدحك حار في وصفك لساني، وعجز عن استيفاء مدحك عبارتي وبياني.

وتحدث بحضرة سيف الدولة: أن البطريق أقسم عند ملكه أن يعارض سيف الدولة في الدرب، ويجتهد في لقائه، وسأله إنجاده ببطارقته وعدده، فخيب الله ظنه وأتعس جده.

فقال أبو الطيب وأنشده إياها بحلب سنة خمس وأربعين وثلاث مئة. وهي آخر قصيدة قالها عند سيف الدولة.

قال ابن جني: قلت لأبي الطيب وقت قراءة هذه القصيدة عليه: إنه ليس في جميع شعرك أعلى كلاماً من هذه القصيدة، فاعترف بذلك وقال: كانت وداعاً.

عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم ... ماذا يزيدك في إقدامك القسم؟

يقول: عاقبة اليمين على عاقبة الحرب ندامة؛ لأنه إذا حلف على لقاء من لا يقاومه انهزم، وكان انهزامه أشنع، والملامة فيه أوقع، فيكون عاقبة اليمين الحنث واللوم، وعاقبة الحرب الانهزام، وهذا أشد من الانهزام بلا يمين، والقسم لا يزيد شجاعة الإنسان إذا لم يكن في نفسه شجاعة، يمكنه بها مقاومة خصمه. وعلى في قوله: على عقبى الوغى متعلق بلفظ اليمين.

وفي اليمين على ما أنت واعده ... ما دلّ أنّك في الميعاد متّهم

يقول للبطريق: إن يمينك يدل على تهمتك في نفسك، فيما تعده من الإقدام، فلو كنت تصدق في وعدك لم تحتج إلى اليمين لرفع التهمة.

آلى الفتى ابن شمشقيقٍ فأحنثه ... فتىً من الضّرب ينسى عنده الكلم

الكلم: جمع كلمة.

يقول: حلف ابن شمشقيقٍ على الإقدام على سيف الدولة، فأحنثه سيف الدولة، وحال بينه وبين مراده، بضرب ينسى عنده الأيمان، فلما ضربه بسيفه نسى يمينه وفر من بين يديه.

وفاعلٌ ما اشتهى يغنيه عن حلفٍ ... على الفعال، حضور الفعل والكرم

وفاعل: عطف على فتى.

يقول: أحنثه فاعل يفعل كل ما اشتهاه، لا يحتاج فيه إلى اليمين، بل يغنيه عن اليمين حضور ذلك الفعل الذي أراده، ويغنيه عنها أيضاً كرمه ومضاء عزمه، فهو إذا هم بأمر أمضاه.

كلّ السّيوف إذا طال الضّراب بها ... يمسّها غير سيف الدّولة السّأم

السأم: الملال.

يقول: كل السيوف إذا طال عليها الضرب تكل وتعجز عن القطع، إلا سيف الدولة فإنه لا يمل.

لو كلّت الخيل حتّى لا تحمّله ... تحمّلته إلى أعدائه الهمم

قال ابن جني: اختار أبو الطيب في تحمله الرفع لأنه فعل الحال، والنصب جائز على معنى إلى أن لا تحمله.

يقول: لو كلت خيله وعجزت عن حمله إلى أعدائه لكانت هممه وصحة عزائمه تحمله إليهم ليحاربهم.

أين البطارق والحلف الّذي حلفوا ... بمفرق الملك والزّعم الّذي زعموا

البطارق، والبطاريق: جمع بطريق، وهو القائد للروم. والزعم: أكثر ما يستعمل في القول من غير علم.

يقول: أين يمين قواد الملك حين حلفوا برأسه، وزعموا أنهم يثبتون لسيف الدولة؟!

ولّى صوارمه إكذاب قولهم ... فهنّ ألسنةٌ أفواهها القمم

فاعل ولي ضمير سيف الدولة ومعناه: فوض إليه. وصوارمه: مفعوله الأول وإكذاب: المفعول الثاني.

يقول: فوض إلى سيفه تكذيب قول البطاريق، فالسيوف بمنزله الأفواه، فكأنها تكلمت في رءوسهم فقال لهم: كذبتم في يمينكم. ووجه التشبيه: أن السيوف تتقلقل فيها فيسمع عند وقعها في العظام ما يعلم منه كذبهم، فينوب ذلك عن قوله لهم: كذبتم.

نواطقٌ مخبراتٌ في جماجمهم ... عنه بما جهلوا منه وما علموا

يقول: هذه السيوف تنطق في جماجمهم، وتخبرهم عن سيف الدولة ما علموا من أحواله، وما جهلوا من أخباره.

الرّاجع الخيل محفاةً مقوّدةً ... من كلّ مثلٍ وبارٍ أهلها إرم

<<  <   >  >>