يقول: ملأ هذا النهر بخيل تعدو بلا قوائم، يعني: السفن فهي عقيمة لا تلد كسائر الخيول، وهي سود الألوان؛ لأنها مغبرة، فعبر عن السفن بالخيل، وأخرجه مخرج اللغز.
تأتي بما سبت الخيول كأنّها ... تحت الحسان مرابض الغزلان
يقول: هذه السفن كانت تحمل ما سبته الخيول من النساء والولدان، فكأنهن الغزلان والسفن تحتهن كأنها مرابض الغزلان.
بحرٌ تعوّد أن يذمّ لأهله ... من دهره وطوارق الحدثان
يقول: هذا النهر بحر يحفظ أهله، ويحصن من حوله من حوادث الدهر، فلم يقدر أحد على عبوره.
فتركته وإذا أذمّ من الورى ... راعاك واستثنى بني حمدان
يقول: جعلته بعد عبورك به، إذا ضمن لمعشر أن يمنعهم، استثناك وقومك، فيقول: إني أمنعكم من كل أحد، إلا من بني حمدان، فإني لا أمنعكم منهم.
وأراد أن الروم إذا تحصنوا به، لم يقدر أحد أن يصل إليهم إلا أنت وقومك.
المخفرين بكلّ أبيض صارمٍ ... ذمم الدّروع على ذوي التّيجان
يقال: أخفرته: إذا نقضت عهده، وهذا صفة بني حمدان.
يقول: إن دروع الملوك أعطتهم ذمةً أنها تمنعهم، فهم يخفرون بسيوفهم تلك العهود والذمم، ويهتكون بسيوفهم دروعهم. وذووا التيجان: هم الملوك.
متصعلكين على كثافة ملكهم ... متواضعين على عظيم الشّان
الصعلوك: الفقير، والمتصعلك: من يتكلف ذلك.
يقول: هم يتخلقون بأخلاق الصعاليك، ويتطامنون مع ملكهم العظيم، وهم متواضعون مع علو قدرهم وعظم شأنهم.
يتقيّلون ظلال كلّ مطهّمٍ ... أجل الظّليم وربقة السّرحان
روى ابن جني: يتقيلون وحمله على معنى قولهم: فلان يتقيل أباه: أي يتشبه به. قال: ومعناه أن كل واحد منهم يتشبه بأب كريم، ويتبعه كما يتبع الفرس ظله، ويسبق إلى المجد والكرم، كالفرس المطهم الذي إذا رأى الظليم أهلكه، وإذا رأى الذئب شده.
قال: ويجوز أن يكون ويتقيلون من القائلة، يعني: يقيلون في ظل كل فرس مطهم، فوافق في المعنى رواية سائر الناس وروى غيره يتفيئون من الفيء. والمعنى أنهم يستظلون في الهواجر بظلال خيولهم كما يفعله الصعاليك، ولا يدخلون الخيام كما يفعله المتنعمون.
وقوله: أجل الظليم: صفه المطهم، أي أنه إذا عدا خلف الظليم أدركه أجله الذي لا خلاص له منه، وإذا عدا خلف سرحان لحقه، فكأنه قيده، وهذا من قول امرئ القيس.
بمنجردٍ قيد الأوابد هيكل
وقيل: يمدحهم بالفروسية والثبات على الخيل فيقول: هم لا يفارقون ظهورها بل يلازمونها ملازمة الظلال ويتقيلون يميناً وشمالاً كما تنقلب الظلال.
خضعت لمنصلك المناصل عنوةً ... وأذلّ دينك سائر الأديان
العنوة: القهر.
يقول: سيفك قهر كل سيف، فانقادت له السيوف قهراً، ودينك ذل سائر الأديان وقهرها.
وعلى الدّروب وفي الرّجوع غضاضةٌ ... والسّير ممتنعٌ من الإمكان
الدروب: جبال الروم، وطرقها. والغضاضة: الذل والقهر. والتقدير وعلى الدروب غضاضة، وفي الرجوع غضاضة.
وقيل: على تعلق بالفعل الذي بعده وهو نظروا أي نظروا على الدروب إلى خليك.
يقول: قهرتهم في حالة صعبة على المسلمين، وذلك حيث لم يمكنهم المقام على الدروب، ولا الرجوع عنها، وكان السير ممتنعاً فدخلت عليك الغضاضة لذلك.
والطّرق ضيّقة المسالك بالقنا ... والكفر مجتمعٌ على الإيمان
يقول: إن الطرق كانت قد ضاقت برماح الروم، وكان الكفر مجتمعاً على الإيمان في تلك الحال، فأذللت الكفر ونصرت الإسلام.
نظروا إلى زبر الحديد كأنّما ... يصعدن بين مناكب العقبان
يقول: نظر الروم إلى قطع الحديد على الخيل، فكأن هذه القطع عليها، بين مناكب العقبان.
شبه الخيل بالعقبان في سرعتها، والدروع التي على الفرسان والبيض وغيرها كأنها علت العقبان وصعدت بين مناكبها.
وفوارسٍ يحي الحمام نفوسها ... فكأنّها ليست من الحيوان
يقول: نظروا إلى فوارس يعدون الموت في الحرب حياة؛ لبقاء الذكر، حتى كأنهم ليسوا من الحيوان، لأن الحيوان إذا مات ينسى.
ما زلت تضربهم دراكاً في الذّرى ... ضرباً كأنّ السّيف فيه اثنان
روى: في الذرى أي رءوس القوم، أو رءوس الجبال. وروى: في الوغى وهي الحرب. دراكاً: أي تباعاً.