للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتوهّموا اللّعب الوغى الهيجاء ... غير الطّعن في الميدان

يقول: حسب الناس لعبهم بالرماح في الميدان، أنه مثل الطعن في الحرب عند ملاقاة الأقران، وليس الأمر كما قدروا.

قاد الجياد إلى الطّعان ولم يقد ... إلاّ إلى العادات والأوطان

يقول: قاد الخيل إلى المطاعنة، ولم يكن قوده لها أول مرة، بل قد سبق له أمثالها، وتعودت خيله التردد إلى الروم، ومعارك الحرب، فكأنه يقودها إلى أوطانها التي تعودت الإقامة بها.

كلّ ابن سابقةٍ يغير بحسنه ... في قلب صاحبه على الأحزان

هذه الجياد، وكل ابن فرس سابقة حسن الخلق، إذا نظر صاحبه إليه أغار على ما في قلبه من الحزن بحسنه، وأزاله عن قلبه.

إن خلّيت ربطت بآداب الّوغى ... فدعاؤها يغني عن الأرسان

يقول: إن أرسلت هذه الخيل، فرابطها آداب الوغى.

يعني: أنها مؤدبة بآداب الحرب، فإذا أرسلت لم تشرد، فتحتاج إلى أن تشد برسن أو شكال، ولكنها متى دعاها صاحبها أقبلت إليه، فيغني دعاؤها عن أرسان تقاد بها.

في جحفلٍ ستر العيون غباره ... فكأنّما يبصرن بالآذان

الهاء في غباره للجحفل.

يقول: قاد جياده في جيش عظيم، قد ثار غباره حتى ستر العيون، وأطبق الجفون من تكاثفه، فكأن هذه الخيل تبصرن بالآذان؛ لأن الغبار لا يطبق الآذان، بل تكون أبداً منتصبة.

يرمى بها البلد البعيد مظفّرٌ ... كلّ البعيد له قريبٌ داني

يقول: يغير بهذه الخيل كل بلد ملك مظفر، كل مرام بعيد له قريب، وكل صعب على غيره، عليه سهل يسير.

فكأنّ أرجلها بتربة منبجٍ ... يطرحن أيديها بحصن الرّان

منبج: مدينة بالشام. والران من بلاد الأرمن وبينهما مسيرة خمس ليال.

يقول: كأن هذه الخيل لخفتها تكون أرجلها بمنبج وأيديها بحصن الران، فلا يتخلل من مسيرها من منبج إلى حصن الران، إلا مقدار الزمان الذي تتخلله الخطوة الواحدة.

وقيل: أراد بذلك سعة خطوها، فكأنه يقول: إنها تقطع ما بينهما بخطوة واحدة.

حتّى عبرن بأرسناس سوابحاً ... ينشرن فيه عمائم الفرسان

أرسناس: نهر عظيم في بلاد الروم.

يقول سار بها حتى عبرت هذا النهر سابحةً، وكانت تنشر عمائم الفرسان فوقهن؛ لسرعتهن في السباحة، فتضطرب العمامة لذلك.

وقيل: أراد أن ما يطفو من الماء من جنبي الفرس يعلو إلى أطراف العمائم المسدلة فينشرها. والأول هو الظاهر.

يقمصن في مثل المدى من باردٍ ... يذر الفحول وهنّ كالخصيان

يقمصن: أي يثبن. والمدى: جمع مدية وهي السكين: يقول: إن هذا النهر يعمل في البدن ما تعمل السكاكين من شدة برده! وتقلصت الخصى وبردت حتى صارت الفحول مثل الخصيان.

والماء بين عجاجتين مخلّصٌ ... تتفرّقان به وتلتقيان

يقول: إن الغبار قد ثار على جانبي هذا النهر، فكأن موج الماء يفرق بينهما، فمرة يفترقان ومرة يلتقيان فيتصلان من أحد الجانبين إلى الآخر.

وقيل لأبي الطيب: إنك وصفت برد الماء، وذلك يكون في الشتاء، ثم بالغت في وصف الغبار، والغبار لا يثور على الوجه المذكور في الشتاء، فبينهما تناقض، فقال: إنما وصفت ما عاينت. وفي رواية أخرى: إن ماء هذا النهر يكون في الصيف شديد البرد إلى الغاية.

وقيل: أراد بالعجاجتين: ما يثور من الماء على جانبي الفرس السابح، فإذا شق الماء افترق جانباه ثم تلاقيا من بعد.

ركض الأمير وكاللّجين حبابه ... وثنى الأعنّة وهو كالعقيان

اللجين: الفضة. والعقيان: الذهب. والحباب: طرائق الماء.

يقول: ركض، وكان الماء في الصفاء كالفضة البيضاء، وثنى عنانه راجعاً. وقد صار كالذهب؛ لما سال إليه من دماء القتلى، واحمر بما خالطه من دماء الروم.

فتل الحبال من الغدائر فوقه ... وبنى السّفين له من الصّلبان

الغدائر: الذوائب.

يقول: فتل من شعور من قتل من الروم الحبال الكثيرة، وكذلك بنى مما كسر من الصلبان سفناً يعبر بالسبي والأموال عليها.

وأراد: أنه لو أراد أن يفعل لأمكنه؛ من كثرة ما قتل منهم، وكسر من صلبانهم.

وحشاه عاديةً بغير قوائمٍ ... عقم البطون حوالك الألوان

العادية: الجارية.

<<  <   >  >>