فلقد رمى بلد العدوّ بنفسه ... في روق أرعن كالغطمّ لهام
روق أرعن: أي مقدمة العسكر. والغطم: البحر.
يقول: إن أخاك قصد العدو بنفسه في جيش عظيم كالبحر، وهو في أول الخيل.
قومٌ تفرّست المنايا فيكم ... فرأت لكم في الحرب صبر كرام
أي أنتم قوم تفرست: أي تأملت، وكان الوجه فيهم ولهم غير أنه رده إلى المعنى؛ لأنه أبلغ.
يقول: نظرت المنايا فيكم فرأتكم صابرين على الحرب، وعاينت فيكم صبر الكرام، فعدلت عنكم إلى أعدائكم الذين لم يصبروا على الحرب.
تالله ما علم امرؤٌ لولاكم ... كيف السّخاء وكيف ضرب الهام؟!
تالله: قسم وتعجب، وإنما خصت التاء بهذا الاسم لتضمنها معنى التعجب، فمنع التصرف، كما منع فعل التعجب.
يقول: علمتم السخاوة والشجاعة، ولولا أنتم لما علم امرؤ طريق السخاء والشجاعة.
وغزا سيف الدولة من حلب وأبو الطيب معه، وقد أعدوا الآلات لعبور أرسناس فاجتاز بحصن الران وهو في يده، ثم اجتاز ببحيرة سمنين ثم بهنزيط، وعبرت الروم والأرمن أرسناس وهو نهر عظيم لا يكاد أحد يعبره سباحةً إلا جره وذهب به، لشدته وشدة جريه فسبحت الخيل حتى عبرته خلفهم إلى تل بطريق، وقتل من وجه بها، وأقام أياماً على أرسناس وعقد بها سماريات يعبر فيها.
ثم قفل، فاعترض البطريق في الدرب بالجيش، وارتفع في ذلك الوقت سحاب عظيم وجاء بمطر غزير وقع القتال تحت المطر، ومع البطريق نحو ثلاثة آلاف قوس، فابتلت أوتار القسي ولم تنفع، وانهزم أصحابه، ثم انهزم بعد أن قاتل وأبلى، وعلقت به الخيل، فعجل الهرب يحمي نفسه حتى سلم.
فقال أبو الطيب وأنشدها إياه بآمد، وكان دخوله إليها منصرفاً من بلاد الروم في آخر نهار يوم الأحد، لعشر خلون من صفر سنة خمس وأربعين وثلاث مئة.
الرّأي قبل شجاعة الشّجعان ... هو أوّلٌ وهي المحلّ الثّاني
يقول: إن الرأي والعقل أفضل من الشجاعة، لأن الشجعان يحتاجون أولاً إلى الرأي ثم إلى الشجاعة، فإذا لم تصدر الشجاعة عن الرأي فهي التنزي وربما أتت عليه. وروى بدل: الشجعان: الفرسان.
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرّةٍ ... بلغت من العلياء كلّ مكان
مرة: أي أبية. وروى: حرة.
يقول: إذا اجتمع الرأي والشجاعة لنفس واحدة كريمة أبية، بلغت كل مكان من المعالي.
ولربّما طعن الفتى أقرانه ... بالرّأي قبل تطاعن الأقران
يقول: إن الرأي ربما يغني عن الشجاعة، ويوصل صاحبه إلى الإيقاع بالأعداء والنكاية بهم قبل أن يقع حرب أو قتال.
لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ ... أدنى إلى شرفٍ من الإنسان
أدنى ضيغم: من الدناءة. وأدنى إلى شرف: من الدنو. والأول اسم كان، والثاني خبره.
يقول: لولا ما خص الله تعالى الناس من العقل، لكان أدنى أسد أقرب إلى الشرف من الإنسان؛ لما للأسد من فضل البأس والإقدام.
ولما تفاضلت النّفوس ودبّرت ... أيدي الكماة عوالي المرّان
قوله: ودبرت أي ولما دبرت.
يقول: لولا العقول لما كان لبعض الناس فضل على البعض، وما كانت الأيدي تصرف الرماح، بل تكون هي المدبرة للأيدي؛ لأن لها من المضاء ما ليس للأيدي. فبالعقل صار الإنسان مدبراً لها.
لولا سميّ سيوفه ومضاؤه ... لمّا سللن لكنّ كالأجفان
يقول: لولا سيف الدولة ومضاؤه، لم يكن للسيوف مضاء حين تسل من أغمادها، بل كانت كالأجفان في قلة الغناء.
خاض الحمام بهنّ حتّى ما درى ... أمن احتقارٍ ذاك أم نسيان
بهن: أي بالسيوف. حتى ما دري: أي ما دري الحمام. وروى: حتى ما دري على لغة طيئ.
يقول: خاض سيف الدولة الموت بسيوفه حتى ما دري الموت، هل ذاك احتقار منه، أم نسي كونه في الحرب؟!
وجرى فقصّر عن مداه في العلا ... أهل الزّمان وأهل كل زمان
وروى: وسعى أهل الزمان: أي أهل زمانه. وجرى إلى المعالي فعجز أهل زمانه عن بلوغ شأوه، كذلك كل أهل زمان قبله وبعده.
تخذوا المجالس في البيوت، وعنده ... أنّ السّروج مجالس الفتيان
تخذت واتخذت بمعنىً.
يقول: إنما قصروا عن بلوغ مداه؛ لأنهم اتخذوا بيوتهم مجالسهم، وهو يجعل مجالسه سروج الخيل، ومثله لعنترة:
وتبيت عبلة فوق ظهر حشيّةٍ ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجم