هذا المعنى. فقلت: ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمه وبسط رزقه وكثر الخير من فضله؟ فقال: إن الأمر لعلى ما وصفت فالحمد لله، ولكنني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله فأخذت نفسي بما رأيت.
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم البزاز، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، وذكر المهتدي، فقال: حدثني بعض الهاشميين، أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلي فيه، وكان يقول: أما يستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟! وكان قد اطرح الملاهي وحرم الغناء والشراب، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان مع حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج، يجلس بنفسه في الحسبانات ولا يخل بالجلوس يوم الإثنين والخميس والكتاب بين يديه.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: أخبرنا عيسى بن موسى بن أبي محمد ابن المتوكل على الله، قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني العباس بن يعقوب، قال: حدثني أحمد بن سعيد الأموي، قال: كانت لي حلقة وأنا بمكة أجلس فيها في المسجد الحرام ويجتمع إلي فيها أهل الأدب، فإنا يوما لنتناظر في شيء من النحو والعروض، وقد علت أصواتنا - وذلك في خلافة المهتدي - إذ وقف علينا مجنون فنظر إلينا ثم قال [من الطويل]:
أما تستحون الله يا معدن الجهل شغلتم بذا والناس في أعظم الشغل إمامكم أضحى قتيلا مجدلا وقد أصبح الإسلام مفترق الشمل وأنتم على الأشعار والنحو عكفا تصيحون بالأصوات في است أم ذا العقل فانصرف المجنون وتفرقنا وقد أفزعنا ما ذكره المجنون وحفظنا