فقال له المهتدي: أما أنت أيها الرجل، فأحسن الله مقالتك، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت المصحف ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ فقال لي عمي: فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم.
أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد المفيد، قال: حدثنا أبو بشر الدولابي، قال: أخبرني أبو موسى العباسي، قال: لم يزل المهتدي صائما منذ جلس للخلافة إلى أن قتل.
أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني، قال: حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، قال: حدثني بعض الشيوخ ممن شاهد جماعة من العلماء وخالط كثيرا من الرؤساء، أن هاشم بن القاسم الهاشمي حدثه قال المعافى: وقد حدث هاشم هذا حديثا كثيرا وكتبنا عنه إلا أن هذه الحكاية حدثني بها هذا الشيخ الذي قدمت ذكره. قال أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدي عشية من العشايا فلما كادت الشمس تغرب وثبت لأنصرف، وذلك في شهر رمضان، فقال لي: اجلس. فجلست، ثم إن الشمس غابت، وأذن المؤذن لصلاة المغرب وأقام فتقدم المهتدي فصلى بنا، ثم ركع وركعنا، ودعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغف من الخبز النقي، وفيه آنية في بعضها ملح وفي بعضها خل وفي بعضها زيت، فدعاني إلى الأكل، فابتدات آكل معذرا، ظانا أنه سيؤتى بطعام له نيقة، وفيه سعة، فنظر إلي وقال لي: ألم تك صائما؟ قلت: بلى. قال: أفلست عازما على صوم غد؟ فقلت: كيف لا، وهو شهر رمضان؟! فقال: فكل واستوفي غداؤك فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى. فعجبت من قوله، ثم قلت: والله لأخاطبنه في