وفق حتى الآن للإبداع والإيجاد وليس بينهم من استطاع الاختراع والاكتشاف بما في هذه الأسماء من معنى، وليس بينهم من قدر أن يثبت للناس أن تلك الظاهرة التجارية القديمة قد تلاشت في نفوسهم، فهم ما برحوا، بمظهرهم الروحي وعاطفتهم النفسية، أولئك الفينيقيين أبناء سورية القدماء الذين ضربوا في عرض البحر واقتحموا أمواجه ولا غاية لهم من وراء ذلك إلا ربح المال وجمعه وادخاره.
وللباحث أن يستمر في تحليل تلك العاطفة ويتتبع آثارها وعواملها في الأوساط والجماعات السورية الأخرى. فالجماعات التي تعمل باسم الأديان وتنتسب إليها، والجماعات التي تتصف بصفة السياسية وتعلن انصرافها إليها، والجماعات التي تمارس الأعمال الاقتصادية والعمرانية وتتخذها حرفة لها. والجماعات التي يتألف منها موظفو الدولة والإدارات العامة ومأموروها ومستخدموها، والجماعات التجارية والمالية نفسها، هي كلها مما يمكن للمحقق الاجتماعي أن يعرضه على التحليل والدرس بطريقة الوصف والمقايسة والاستقراء والاستنتاج بعد تفهم روحية الأفراد وتعليل العوامل النفسية التي تدفعهم إلى أعمالهم والصلات التي تربطهم بها، وبذلك ينتهي به البحث والتحليل إلى أن يضع موضع الجلاء والوضوح كثيراً من الشواعر النفسية والظواهر الروحية وويلقي عليها من نور البراهين والحجج المستمدة من وصف الواقع ما يؤيدها أو ينفيها تبعاً لما هي كائنة في ذاتها. وقد يذهب الظن بالقارئ لأول وهلة إلى أن هذه الظاهرة التجارية المادية التي يبرز من الوجهة العامة جلية واضحة عند تحليل نفسية الفرد السوري في هذا العصر هي مما يدعو لغنى الأمة السورية وزيادة ثروتها وتبسطها في مجال المدينة وأسبابها التي لا تقوم دعائمها غلا على المال مع أن الأمر على عكس ما قد يذهب الظن إليه. فتهافت الفرد على جمع المال وكسبه، وتفانيه في سبيل ادخاره واستثمار ليس هو مما يؤدي حتماً إلى غنى الأمة وازدياد ثروتها وقوتها. نحن لا ننكر، ولا من يستطيع أن ينكر، أن الجماعة تتألف من أفراد وأن الأمة قائمة بأبنائها، لكننا نعتقد ونجزم بما يعتقده علماء الاجتماع في هذا العصر أن للجماعة كياناً قائماً بذاته يفرق عن كيان الأفراد. فالفرد الذي يعمل لنفسه ولنفسه فقط لا يفيد الجماعة بشيء لان هذه الجماعة بكيانها المستقل تحتاج لأفراد مخلصين يعملون لها لا لأنفسهم ويسعون لفائدتهم، فقد يربح الفرد ويكسب فيكون في ربحه وكسبه خسارة للجماعة