وقد يستفيد الفرد بما يضر الجماعة وقد يوسر الفرد ويغنى مستمداً ثروته وغناه من فقر الجماعة التي ينتسب إليها، وكثيراً ما يجازى على حبه لذاته وأنانيته وعمله لنفسه دون جماعته، جزاء غير المخلصين من الناس، فيذهب ما ربحه هباء منثوراً ويتسرب لغيره ما كسبه وادخره هو لنفسه، وما سبب ذلك إلا أنه ابن جماعة فقيرة ضعيفة ليس في استطاعتها أن تحافظ على حقه أو تدافع عن ماله وكيانه. هذا ولا يذهبن الظن بمن اعتادوا تأويل هذه الأبحاث تبعاً لما توحيه إليهم أغراضهم ومراميهم في الحياة إلى أننا نود أن نقول أن هذه الظاهرة التجارية التي ألححنا في وصفها وبيان عللها ونتائجها هي مما لا يتفق عم غيرها من ظواهر روحية مجيدة اشتهرت عن السوري وامتزجت بأخلاقه، فذكر الشيء لا ينفي ما عداه وتبسطنا في ذكر هذه الظاهرة لا ينفي أن في الروح السورية أيضاً من مختلف الظواهر والعواطف النفسية والميزات الأخلاقية التي مابرح السوري محتفظاً بها أيضاً من ماضيه البعيد والقريب ما يدعو للتفاخر والاعتزاز بها، فنحن إذا تعرضنا لوصف هذه الظاهرة التجارية المادية وحصرنا البحث بها دون سواها فما ذلك إلا لأننا رأينا أن الحاجة الماسة لإصلاحها تدعو للفت نظر الباحثين إليها ولوجوب تحليلها وتفهمها. فالعقلية في الأمم لا تلبث على حال واحد، فهي تابعة، ككل شيء، لنظام التطور والتغير وأساليب الإصلاح الاجتماعي القائمة على العلم الصحيح تستطيع أن تتناول كل ناحية من نواحي هذه العقلية حتى أقدم ما رسخ وتأصل فيها. وأننا إذا عنّ لنا في يوم من الأيام أن نتطاول ونزعم أننا ممن يستطيعون رسم خطة إصلاح لهذه الظاهرة الروحية في الجماعة السورية وحصر حدودها ونطاقها لما تواجدنا أمامنا ما نعالج إصلاحه من الأوضاع الاجتماعية قبل كل شيء غير العائلة السورية ونظامها القديم البالي الذي تربينا عليه ونشأنا في ظله، فالعائلة هي الحلقة التي تصل بين الماضي والحاضر، والعائلة هي الوسيط الأول بنقل آثار الماضي إلى أوضاع الحاضر، والعائلة هي الجماعة الأولى التي تقوم عليها دعائم الأمة بأسرها في الماضي والحاضر معاً. وهذا ما نرجو أن نوفق لمعالجته في مقال آخر.