مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شُبهة، ولم يحكِ أحد في هذه القصة شيئًا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة، كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء، حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردّة. كذلك ما روي في قصة القضية، ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، فما رُوي عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة، فدل على بطلانها واجتثاث أصلها. ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على مُغفَّلي المحدثين، يلبس به على ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... } الآيتين [الإسراء: ٧٣-٧٤] . وهاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا ليفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم، فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى قد عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلًا، فكيف كثيرًا؟ وهم يروون في أخبارهم الواهية أن زاد على الركون الافتراء بمدح آلهتهم، وأنه قال صلى الله عليه وسلم:"أفتريت على الله، وقلت ما لم يقل" وهذا ضد مفهوم الآية.