للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد التي تكون على سواحل البحار.

وليس وجود السهولة في الشعر العراقي مثل شعر "عدي بن زيد"، أو في شعر أهل القرى، بأمر غريب. وقد عبر عنها بالليونة كذلك. فالحضارة، أي الحياة في القرية أو في المدينة. وحياة أهل المدر، هي ليونة وسهولة في حد ذاتها بالنسبة إلى حياة البوادي والبراري، حيث الخشونة والغلظة في الحياة، ومن ثم صار الأعرابي غليظا فظًّا خشنا، يتكلم بعنجهية لا يفهمها أهل المدر والاستقرار، فيتصورونها فظاظة منه وغلظة، وإنسان على هذا النحو من الطبع أو التطبع، لا بد وأن يكون شعره خشنا مثله، فالشعر تعبير عن إحساس نفسي، وعن انعكاس لثقافة المرء ولتربيته الناتجة عن محيطه، ولهذا نجد شعر شعراء القرى يختلف عن شعر أهل البوادي، بألفاظه وبأسلوب نظمه وبمعانيه وبروحه الحضرية.

وقد وصف شعر "عدي" بالليونة، ونسبوا ذلك إلى سكنه الحضر. "وأما عدي بن زيد فلقربه من الريف وسكناه الحيرة في حيز النعمان بن المنذر لانت ألفاظه فحمل عليه كثير، وإلا فهو مقل"١. وقالوا عنه "وعدي من الشعراء مثل سهيل في النجوم: يعارضها، ولا يجري معها. هؤلاء أشعارهم كثيرة في ذاتها، قليلة في أيدي الناس، ذهبت بذهاب الرواة الذين يحملونها"٢. وقيل عن شعره: "والعرب لا تروي شعره، لأن ألفاظه ليست بنجدية، وكان نصرانيا من عباد الحيرة، قد قرأ الكتب"٣. وقد أرادوا بالكتب، الكتب المقدسة التوراة والأناجيل والكتب النصرانية الأخرى. ولم يشيروا إلى لغتها، والأغلب أنها كانت بالآرامية التي كانت شائعة في العراق وبين نصارى المشرق، ولكني لا استبعد احتمال وجود بعض منها باللغة العربية، لأن غالبية أهل الحيرة كانت تتكلم بها، ولا سيما الطبقة الحاكمة التي هي من صلب عربي. فلا يستبعد احتمال ترجمة بعض الكتب لهم بالعربية، للوقوف عليها.

قال "أبو عبيدة" إن العرب لاتروي شعر أبي دؤاد وعدي بن زيد، لأن ألفاظهما ليست بنجدية، فلا بد أن يكون أساس الشعر عندهم على صميم العربية.


١ العمدة "١/ ١٠٤".
٢ العمدة "١/ ١٠٤"، الأغاني "٢/ ١٨".
٣ الشعر والشعراء "١/ ١٥٤"، "الثقافة".

<<  <  ج: ص:  >  >>