للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعر الشواهد من الأبواب التي فتحت المجال لنحل الشعر. قال عنه الرافعي: "وهو النوع الذي يدخل فيه أكثر الموضوع، لحاجة العلماء إلى الشواهد في تفسير الغريب ومسائل النحو"١. وقد كانوا يستشهدون بأشعار الجاهليين والمخضرمين. ونظرًا لوجود عنصر التفوق والتغلب على الخصوم وإظهار العلم، ولوجود العصبية اندفع البعض إلى افتعال الشواهد والإتيان بالغريب وبما هو غير معروف. وقد اتهم الكوفيون بأنهم كانوا أكثر الناس وضعًا للأشعار التي يستشهد بها، لضعف مذاهبهم وتعلقهم على الشواذ واعتبارهم منها أصولا يقاس عليها. ولهذا وأشباهه اضطروا إلى الوضع فيما لا يصيبون له شاهدًا إذا كانت العرب على خلافهم، وتجد في شواهدهم من الشعر ما لا يعرف قائله، بل ربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف شطره الآخر. ومن أجل هذا كان البصريون يغتمزون على الكوفيين. فيقولون: نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز والكواميخ٢. على أن البصريين، لم يكونوا ملائكة بالنسبة إلى افتعال الشواهد، فقد أدلوا فيه بدلوهم كذلك، وإن قيل: إنهم كانوا أقل فعلًا في ذلك من الكوفيين. ذكر أن سيبويه سأل اللاحقي هل تحفظ العرب شاهدًا على إعمال "فعل" الصفة؟ قال اللاحقي، فوضعت له هذا البيت:

حذر أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأعداء٣

ومن ذلك ما رواه الزجاجي في: "مجالس العلماء"، من نزاع وقع بين الطبري وبين أبي عثمان في السكين: مذكر أم مؤنث، ومن استشهاد أبي عثمان بشعر رواه الفراء، هو:

فعيث في السنام غداة قر ... بسكين موثقة النصاب

وجوابه: "لمن هذا ومن صاحبه؟ وما أراه إلا أُخرج من الكم، وأين صاحب هذا عن أبي ذؤيب حيث يقول:


١ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ٣٧٠".
٢ الرافعي "١/ ٣٧١".
٣ المُزْهِرُ "١/ ١٨٠"، الرافعي "١/ ٣٧١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>