للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكلم أحدهم واسمه "الخيتعور"، أحد "بني الشيصبان"، فقال له: "أخبرني عن شعر الجن، فقد جمع منها المعروف بالمرزباني قطعة صالحة، فيقول ذلك الشيخ: إنما ذلك هذيان لا معتمد عليه، وهل يعرف البشر من النظيم إلا كما تعرف البقر من علم الهيئة ومساحة الأرض؟ وإنما لهم خمسة عشر جنسًا من الموزون قَلّمَا يعدوها القائلون، وإن لنا آلاف أوزان ما سمع بها الإنس"١. ثم يقول الجني له: إن في الجن شعراء، من لا يعدل "امرئ القيس" أضعفهم شعرًا، ثم يروي قصيدة للمتكلم معه، وهو "أبو هدرش"٢.

وروى حديثًا في رسالة الغفران عن قصص تأبَّط شَرًّا مع الغيلان، ثم أجاب على لسانه، قال له: "أحق ما روي عنك من نكاح الغيلان؟ "، ثم أجاب على لسانه بقوله: "لقد كنا في الجاهلية نتقوَّل ونتخرَّص، فما جاءك عنا مما ينكره المعقول، فإنه من الأكاذيب". ثم روى الشعر المنسوب إليه، وهو:

أنا الذي نكح الغيلان في بلد ... ما طلّ فيه سماكيّ ولا جادا٣

وقد كان الجاهليون مثل غيرهم من الشعوب يعتقدون بالجن، وقد تصوروهم -كما سبق أن تحدثت عن ذلك- مثلهم، قبائل وعشائر، لهم ملوك وسادات فما كانوا يروونه عنهم وعن اتصالهم بهم، يمثل حقيقة في نظرهم، وكما كان يضعه الوضاعون من شعر على ألسنتهم، يقبل ويصدق عندهم، ويسمع إليه بتلهف، ولا سيما القسم الغريب منه، إذ كانوا يتلذذون بسماعه، ويذكر معه في العادة قصص لشرح المناسبة التي قيل فيها الشعر، على طريقتهم في رواية أخبار "الأيام". فالقصص المتعلق بالجن، باب من أبواب التسلية التي كان يتسلى بها أهل الجاهلية، بل بقي من القصص المستملح المطلوب سماعه حتى اليوم.

ومن هذا القبيل، ما ورد في أيام العرب من شعر، ففي هذا الشعر ما شاء الله من المنحول. نُحِلَ تمجيدًا لقبيلة أو لبطل من أبطالها، أو للغض من شأن قبيلة معادية، اشتركت معها في قتال، وفي أخبار هذه الأيام تعصب وتحزب، ولذلك يجب النظر إليها بحذر شديد.


١ رسالة الغفران "٢٩١".
٢ رسالة الغفران "٢٩٥ وما بعدها".
٣ رسالة الغفران "٣٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>